علي حسن الفواز
لا يمكن فصل السياسة عن المصالح، ولا عن اصطياد الفرص، وحتى معالجة ملفات الأمن والاقتصاد والدبلوماسية ستكون جزءاً من سياق هذه التوصيفات، وعلى نحوٍ يجعل منها تتجاوز ما هو كائن، إلى ما هو ممكن، حتى إنْ اختلفت وجهات النظر والايديولوجيات، فكلّ شيء في السياسة يتحول إلى حسابات في التداول، وفي تبادل المنافع.
زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركيا تحمل معها ملفات كثيرة، بحثاً عن آفاق جديدة لدبلوماسية السياسة، ولتأكيد مبدأ التفاوض على تلك المصالح، ولعل استثنائية الاستقبال الرسمي الذي قام به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يُشير إلى هذه الحقائق وأهميتها في إبراز المجاملة الدبلوماسية لتمثيل واقعية الفعل السياسي، والتأكيد على أهميته في التنسيق حول ملفات معقدة في المنطقة، ومنها ما يتعلق بالعدوان الصهيوني على غزة، وملف الأزمة الليبية والأزمة في السودان، والملف السوري وتعقيداته الجيوسياسية، وصولاً إلى مقاربة تعقيدات الأمن الاقليمي، فضلاً عن التنسيق على معالجة الخلافات الخفية بين البلدين، والتي تحولت إلى عقدة ايديولوجية بعد إسقاط نظام الاخوان في مصر.
البحث عن الحلول هو خيار السياسة دائماً، وهو ما بدا واضحاً خلال هذه الزيارة، فالمنطقة بدت وكأنها ساحة صراع مأزوم، مثلما أضحت أمام تدخلات خارجية قد تفتح الباب على حرب إقليمية من الصعب السيطرة على تداعياتها، وهو ما جعل تصفير الأزمات هدفاً واضحاً في الزيارة، وفي التنسيق على إيجاد معالجة حقيقية للمشكلات، ولترسيم مشترك حول العلاقات الإقليمية مع الولايات المتحدة، إذ يمثل الدعم الأميركي للكيان الصهيوني عقبة كأداء أمام أي حلٍّ يُفضي إلى وقف كامل لإطلاق النار في العدوان على غزة والضفة الغربية.
الرسالة التي حملتها الزيارة، وما جرى خلالها من تجاوز للأعراف الدبلوماسية في الاستقبال كل ذلك أعطى انطباعاً بجدوى تفعيل الخيار السياسي، وأهمية تنشيطه كفاعل تاريخي بمواجهة أزمات المنطقة الساخنة، وإعطاء جرعة عالية للرهانات على ما هو واقعي، بعيداً عن ذاكرة الاصطفافات المتقاطعة بين الدولتين، والتي انعكست بشكل أو بآخر على تداعيات الأزمة السياسية في المنطقة.
الإعلان عن جملة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين تركيا ومصر، وفي مجالات متعددة، تتجوهر في إطار عقلنة السياسة، وتوطيد التفاهم على أساس ما تقترحه المصالح، لاسيما أن هناك تحديات مشتركة، وقضايا تتطلب تعاوناً إقليمياً واسعاً قد يشمل إيران والعراق والسعودية لإعادة رسم خارطة المنطقة، ولمنع الانزلاق في حرب إقليمية قد تهدد مصالح الجميع وتُعطل خيار السياسات وجهود السياسيين.