علي حسن الفواز
لا شكَّ أنَّ جريمة قتل الشاهد من أكثر الجرائم إثارة للجدل، وللتوصيف القانوني والأخلاقي، فموضوع هذه الجريمة ليس جزءاً من فيلم بوليسي أو فيلم للإثارة، بقدر ما هي جريمة قصد وترصد تقوم على إخفاء الدليل، وتحويل القتل إلى فعل ضدي لتغطية أثرها.
ما يقوم به الكيان الصهيوني من جرائم فاضحة لقتل الصحفيين يكشف عن خطورة الإصرار على ارتكاب مثل هذه الجرائم، وبدوافع التغطية على ما يحدث جرّاء العدوان المستمر على غزّة، من انتهاكات للمدنيين ولحرية الإعلام وحقوق الإنسان والقانون الدولي، وعلى نحوٍ يؤكد طبيعة هذا الكيان واستهتاره في التعمية على الحقائق، وتحويل الأراضي المحتلة إلى جغرافيا معزولة عن العالم، وبما يجعل اغتيال العاملين في المؤسسات الإعلامية جزءاً من عملية ممنهجة، لها أهدافها السياسية والأمنية، حيث الحجب، ووضع الحواجز أمام حرية تداول المعلومات والأخبار، وباتجاه يدفع إلى فرض سرديات مضادة، تجعل من الخطاب الإعلامي، ومن الصورة الإعلامية ومن الشاهد الإعلامي أمام تحديات تشويه الحقيقة والمهنية، للأسف تُسهم منابر إعلامية غربية كبيرة في الترويج لها، وفي تسويغ الشائعة الصهيونية، رغم أنَّ ما جرى خلال الأسابيع الماضية من تظاهرات واحتجاجات في المدن والجامعات الأميركية والغربية فضح ذلك، وعرّى الجريمة الصهيونية وعدوانها المتوحش، ونزوعها إلى الجريمة المجانية والتدمير العبثي، فقتل أكثر من 160 صحفياً من قبل الصهاينة خلال يوميات العدوان يضع علامات استفهام كبيرة أمام الرأي العام، وأمام المنظمات الدولية، وخزي السكوت على هذه الجرائم التي باتت مفضوحة أمام تكنولوجيا وسائل الإعلام وفي وسائل الواصل الاجتماعي، وحتى في حساب الأرقام والإحصائيات والشهود العيان.
الإصرار على قتل الشاهد خيار صهيوني بامتياز، ورهان على محو الفكرة والصورة والذاكرة، وأنَّ استهداف الإعلاميين الفلسطينيين وغيرهم لا يخضع لفرز أو تحديد، بل ينطلق من هوس العقل الصهيوني بكراهية الآخر، وفرض رقابة على أي ممارسة تهدف إلى فضحه وتعرية سياساته وحروبه الملعونة، وأحسب أنَّ هذه الأرقام التي تسجلها منظمات دولية تجعل من مجازر غزّة الجرائم الأكثر بشاعة في التاريخ، وأنَّ إحصائيات قتل الصحفيين فيها تجاوزت ما حدث في الحرب العالمية الثانية، وفي حرب فيتنام وكل حروب الشرق الأوسط. المطالبة بتحقيق دولي عن هذه الجرائم مسؤولية دولية، وإجراء يتطلب موقفاً أكثر واقعية، لأنَّ قتل الصحفي هو قتل الحقيقة والشاهد، مثلما هو تجاوز فاضح على القانون الدولي، وعلى حقوق الصحفيين في نقل تلك الحقيقة إلى العالم.