حرب قبل الحرب على أطفال اليمن

آراء 2019/06/19
...

سارة السهيل
 

 يعيش اطفال اليمن مآسي مفجعة لا يستطيع اي انسان ايا كانت ديانته او ملته ان يتحمل فواجعها، فاطفال اليمن تقتل براءتهم ويقهر شعورهم بالامان النفسي وتغيب عنهم الطمأنية ويصريرون نهبا للهلاك، ليس فقط بفعل الحرب الهوجاء التي اراقت الدماء ودمرت البيوت ورملت النساء ويتمت الصغار فحسب، ولكن أيضا بسبب تقاليد اجتماعية بالية ترى في الطفلة الانثى عبئا اقتصاديا وعبئا اجتماعيا يجب التخلص منه اما  بالزواج او القتل تحت مزاعم رد الشرف.
الواقع المؤلم يؤكد ان المجتمع اليمني يعاني من هذه الآفة اللاانسانية بتزويج القاصرات من عمر ثماني سنوات، وذلك استنادا لاعراف قبلية وتعتبر زواج الاطفال الصغيرات سترا لهن، وأطهر، من الوقوع في الفاحشة عندما تبلغ سن الشباب.

وهذه رؤية قبلية لا تراعي قيم الانسانية ومعاني الرحمة بالطفولة لانها تفترض في الانثى الرذيلة والشر !وهي منها براء، كما تعكس المفاهيم المغلوطة حقيقة ان مثل هذه الطبيعة القبلية هذه تريد ان تريح نفسها من مسؤولية تربية البنات على العفة والعفاف ومسؤولية غرس القيم الروحية الاخلاقية عبر مراحل تنشئتها، وليس لديها صبر في تكوين شخصيات نسائية مثقفة وواعية بدورها الانساني في بناء المجتمع لذلك فان هذه العادات والتقاليد تحرر الاسرة من مسئولية رعاية الصغار وتلقي  بهن الموت عبر هذا الزواج المبكر.
فمزاعم باطلة يروجها مدعي الفضيلة ومنها الحفاظ على سمعة الفتيات بتزويجهن صغيرات، وكانت النتجية المفجعة ان تم تسجيل اليمن كبلد عربي وحيد في قائمة أكثر 20 دولة تمارس الانتهاك ضد الفتيات الصغيرات بزواج القاصرات، وسجلت الأرقام الدولية أيضا أن أكثر من نصف نساء اليمن يتزوجن قبل إتمام الــ18 عامًا.
 
 الحرب وزيادة الفاجعة
ومع تنامي التناحر السياسي والعسكري والحرب الدائرة وزيادة معدلات الفقر وتسرب الفتيات من التعليم بفعل هذه الحرب وسيطرة بعض التيارات الدينية المتشددة على اليمن ارتفعت مؤشرات زواج القاصرات في انتهاك صارخ لطفولتهن ولاحلامهن في المستقبل خاصة بين تجمعات النازحين في محافظات مثل حجة، والحديدة وحضرموت.
وسجلت المراكز المتخصصة ارقام مفزعة في هذا الشأن  حيث إن أكثر من اثنين وسبعين في المائة نسبة زواج القاصرات في اليمن، بسبب ظهور الفتاوى الدينية، التي تشرع زواج الفتيات الصغيرات، والاعراف القبيلة التي تجعل من الفتاة سلعة تباع وتشترى، بحسب الحاجة، دون مراعاة مشاعرها، واخذ اذنها.
فعشرات الاطفال يتم تزويجهن يوميا دون سماع لصراخهن الرافض ودون نظرة شفقة في عيون ذويهن وهم يرمون بهن الى التهلكة، خاصة وان الكثيرات منهم اما رجعن مطلقات او أرامل في العشرينات من العمر، او عرف الموت طريقه اليهن سريعا لان جسدهن الضعيف لم يحتمل الزواج او الانجاب بسبب عدم اكتمال النمو البيولوجي لجسدها.
وكم من الالام النفسية والعصبية التي تتحملها الطفلة اليمنية وهي تتعرض للاغتصاب وقهره ومذلته تحت وطأة الزواج القصري برجل قد يكبرها بسنوات كثيرة ولا يرحم طفولتها امام سطوة حقوقه المزعومة  وتحملها مسؤولية اكبر بكثير من قدرتها العقلية والنفسية على التحمل، في الوقت التي تنعم قريناتها باللهو ومرح الطفولة والتنزه مع اهلها وصديقاتها بينما لا تجد الطفلة الصغيرة من تحتمي به لينجدها من مصير الموت لا الاسرة ولا المجتمع ولا القانون، خاصة وان الدستور اليمني لم يتضمن تشريعا قانونيا لتجريم زواج الصغيرات.
 
ميراث الموت
وكما تتباهي بعض القبائل اليمينة بالمحافظة على ثقافتها وعادتها وتقاليدها ومنها تزويج الاطفال في الثمان سنوات، فان هذه التقاليد البالية تمثل ثقافة الموت الفعلي، وهذا ما اكدته العديد من الحوادث المؤلمة لاطفال يمنيات اما توفين خلال حملهن او خلال وضعهن للمولود، أوفي ليلة الزواج  كما حدث مع الطفلة “ روان “ ابنة الثماني اعوام حيث لقيت حتفها ليلة زواجها من رجل في الاربعين من عمره لم يرحم طفولتها وجسدها النحيل الذي لم يكتمل النمو بعد.
فهذه الحادثة تعد أنموذجا صارخا على بشاعة الجرائم التي تتعرض لها الطفلة اليمنية بايدي ذويها ومجتمعها الذي لا يرحم. فمثل هذه الجريمة لا يقرها شرع ولا دين ايا كان سماويا او ارضيا لانها جسدت افظع صور الاعتداء الجسدي والنفسي بحق طفولة بريئة لا تعي من الحياة شيء سوى اللهو بدمية اوبعروسة او وردة حمراء تقتطفها من البستان لتزين بها فستانها الابيض.
وبرأيي ان هذه الجريمة كان ينبغي ان ينتفض العالم الاسلامي من اجلها والمجامع الفقهية التي تملأ اركان دولنا العربية والاسلامية وهيئات كبار العلماء لتجريمها وتبرز حرمتها لدى الخالق العظيم وتبين جزاء من ارتكب جريمة القتل من الزوج الى الاسرة والقبلية باعتبارها جريمة قتل متكاملة الاركان.
فاذا كانت العادات والتقاليد تأخذنا بهذا الشكل البشع الى الموت فلتذهب هذه التقاليد الى الجحيم وتبقى الحياة التي هي منحة وهبة الاهية يجب علينا الحفاظ عليها والتنعم بها. كما ان الخالق العظيم قد كرم بني آدم كما ذكر في محكم كتابه بقوله تعالى “ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر “ فلماذا ان نمنع هذا الكرم الالهي لنا ونصر على اذلال صغارنا وقهرهم دون رحمة. فقد أكد رسول الانسانية على اهمية الرحمة بالصغار، وان من لا يرحم الصغار فقد خرج من الملة المحمدية وذلك في حديثه الشريف صلى الله عليه وسلم “ ليس منا من يرحم صغيرنا ولا يوقر كبيرنا “.
 
جرائم الشرف
كما تتعرض الطفولة اليمنية للقتل بجرائم الشرف وان اغلبها يتم في إخفائه  بعيدا عن اعين المجتمع لطمس معالم الحقيقة والقليل منها ما تكشف الانباء الصحفية عنه مثلما حدث مع الطفلة “ مآب “ عشر سنوات، التي عثر عليها راعي غنم مرمية في منطقة جبلية تابعة لمحافظة إب وسط اليمن، وذلك بعد ان عذبها والدها وأطلق عليها الرصاص ثم رميها من أعلى منحدر جبلي، بينما برر الأب جريمته الشنعاء قتل ابنته على خلفية قضية شرف لم يوضح تفاصيلها.
هذه الجريمة توضح ان عقل الاب قد غاب كما ضاعت منه رحمته وانتصر للجهلة بعودته لزمن الجاهلية مجددا وجرائم وأد البنات، فهذا الاب لم يدافع عن عرضه ولا شرفه عندما اغتال صغيرته، بل مرغ سمعته في الطين واهال على نفسه لهيب جهنم لانه لم يرحم طفلة صغيرة من صلبه تعرضت لحادث اغتصاب ظلما و بهتانا وعنفا لم تقو عليه، وبدلا من ان يسأل بنته عن الجاني ليعاقبه او يقدم للمحاكمة عاقب الصغيرة التي لاذنب لها سوى براءتها.
فالطفلة “ مآب “ لا يمكن معاقبتها وفقا للشرائع السماوية ومنها الاسلام لانها معتدى عليها وليست موافقه او مشاركة اولا و من ثم هي أساسا طفلة  لم تبلغ بعد ويقام عليها حد، بل من وقع الاعتداء بحقها وكان ينبغي ان يسعى الاب الى معرفة الجاني لتوقيع العقاب عليه حتى لا يكرر جريمته بحق اطفال اخريات.
وهناك الكثيرات من الاطفال اليمنيات اللواتي زهقت ارواحهن في جرائم الشرف دون التيقن حتى من وقوعهن في اي رذيلة، بل رحن ضحية الشك والقتل بالظن، وهو ما يخالف الشريعة الاسلامية، حيث أكد الكثير من العلماء بالازهر وغيره من المؤسسات الاسلامية العريقة، ان الاصل في الاسلام الستر، وأن القتل بالظن أو حتى القتل كجزاء قتل الشرف هو قتل غیر جائز شرعا لان الشریعة الإسلامیة وضعت شروطا وضوابط لذلك منها طلب شهادة أربعة شهود عدول وغيرها من الضوابط وحتى اذا ثبتت هذه الجريمة فان امرها يترك للقضاء باعتباره مسئولا عن ذلك امام الله والقانون.هذا ان كانت بالغه و راشدة اصلا لان قبل ذلك لا حكم على الطفل.
لكننا للأسف استدعينا شريعة الغاب واستحللنا دماء الابرياء بزاعم الحفاظ على الشرف والتقاليد والاديان منه براء، و مادام هذا الامر بهذا الأهمية لديهم لماذا لا يوجهون جهودهم بالتربية و التوجيه و الإصلاح بدلا من إلقاء التهم على بناتهن و كأنهن بلا تربية او وازع ديني و هن اصلا خلاف ذلك الا ان العقلية الجاهلية معشش في مخيلة و اوهام ذويهن ،حتى في الغابة هناك قوانين تحكم بها الحيوانات، فلماذا نحن البشر نرفض الضوابط الاخلاقية والشرعية والانسانية التي ترحم انسانيتنا وتحافظ على حياتنا؟ ولماذا نصر على استدعاء ثقافة الموت دون الانتصار للعقل وضوابطه؟ ولماذا لا نستدعي ثقافة الحياة المليئة بالرحمة والعطف على الصغار وعدم انتهاك حرمة براءتهم المقدسة؟
اظن اننا في أشد الحاجة الى تشكيل وعي انساني عربي جديد ينطلق من افاق أدياننا السماوية والسمحة وينشر ثقافة فضائل الرحمة والعدل والانسانية ويعري ويفضح كل الموروثات القبلية التي تكرس لموت الصغار وتنتهك حقهم في 
الحياة .
وهذا يتطلب عملا جماعيا من النخب الثقافية والدينية والاعلامية في المجتمعات العربية، بحيث تضع استراتيجيات عملية قابلة للتطبيق على الارض وتصل للمناطق القبلية والجبلية والاماكن المهمشة لتنشر فيها ثقافة الحياة والرحمة وحق الانسان في حياة أمنه بعيدا عن موروثات مميتة للانسان.
ويتواكب مع الاستراتيجية سن تشريعات قانونية ملزمة لمنع زواج الاطفال القاصرات وتحديد سن الزواج بثمانية عشر عاما كحد ادنى لتكون الفتاة  حاضرة نفسيا وجسديا واجتماعيا للزواج  وتحمل مسئولية بناء اسرة جديدة في المجتمع.