خضير الزيدي
منذ سنوات طويلة والفنان عماد عاشور يشتغل في منطقة تأمّل الإنسان وكانت التشخيصيَّة سمة تلازمه، وقد أنجز لنا العديد من المعارض الشخصيّة والمشتركة، وهو يؤكد على خطاب المرأة والرجل والتطلّع إلى هواجسهما. في معرضه الشخصي السادس والموسوم بـ "نساء من بابل"، والمقام على قاعة المركز الثقافي الفرنسي ببغداد في الثاني عشر من أيلول 2024، بدا مستعداً ليعيدَ ذات الصياغة الشكليَّة التي تخص عوالم المرأة، ولكن الملفت هنا أنَّ أشكالها تتخذ من بناء لحظة التأمّل والاستغراق في أدق تفاصيل الأمل والحلم والعودة لروح جماليَّة الإنسان وصدقه "وحدة موضوعيَّة" تتشارك فيها جميع تلك
اللوحات.
وعرف عن عاشور هوسه بالجانب الإنساني فكلُّ وجهٍ من تلك الوجوه النسائيَّة تتباين في ملامحها ونظراتها ما يميّز الهيأة الصوريَّة وتبقى قدرة الشكل في بثِّ رسالة العمل انعكاساً لوجدان ذات الفنان، فكم كان اهتمامه محكماً ليخلق لنا وجوهاً وأجساداً نسائيَّة قابلة للتأمّل وصدق التعبير؟، واحدة من حقائق صدق الاشتغال في الفن تعتمد على ما يجول في ضمير الفنان تجاه أخيه الإنسان وما يميّز معرض عماد عاشور هو البناء المحكم للعمل وبديهيَّة التعبير الحقيقي داخل نظام لوحته ويكمن في التأكيد على اللعب بظهور المشاعر بشكلٍ لافتٍ كأنّه يشير إلى أن ما يبديه الوجه من سمات شعوريَّة ستتحول أمام
المتلقي إلى بنى جماليَّة. ولعلَّ مثل هذه الطاقة تمنحنا كمتذوّقين للفن ولعاً بما يكتنف الإنسان من شعور باطني أو
ظاهري.
وهذه رؤية في الحقيقة ليستْ بسيطة لأنّها لا تغيّب المعنى ولا تفرض ما يبدو متخيلاً في حدود العمل الفني، بل هناك مبررات وحقائق لا بدَّ من إظهارها أمام من يتابع لوحاته. نعم لقد أظهر اهتماما بالملامح وتعامل مع الوجه بدقة تعبيريَّة ومثل لنا المشاعر بما يبعث برسالة أكثر صياغة فنيَّة وجماليَّة ليكون بذلك كمن يختزل مشاعر الجميع بوجه إنساني. إنَّ حقيقة الفن عنده تكمن في الأساس بما هو جوهري داخل منظومة الإنسان واختياره إلى ما يمثله من صدق في التعبير، وحسناً فعل حينما اعتمد على التشخيصيَّة أساساً لبناء معرضه، فهو لا يبسط من مفردات التصوير بقدر ما يعزز الفن بطريقة تعبيريَّة قائمة على فعل التجديد في التصور الذهني، وتقبّل المعنى في حدود تخصّ الرسم، وعاشور معروفٌ بطاقته التي لن يشكَّ فيها أحد، لأنّه مارس الرسم منذ زمنٍ بعيدٍ ووجد لنفسه طريقاً مختلفاً عبر ممارساته المتواصلة، وقد حقق في ذلك العديد من النجاحات وهو يمارس اللعب مع الفن بحريَّة وتطلّع وانتساب كهويَّة ثقافيَّة وجماليَّة.
ما الغاية من المعرض؟
هناك إصرارٌ عند الفنان وهو الاهتمام بجوانب المرأة وسياقاتها الثقافيَّة والاجتماعيَّة، فقد أخذ على عاتقه الإشارة المتواصلة لكل التحولات الاجتماعيَّة التي تصيبها، والإصرار هنا كونه مولعاً بواقع اجتماعي يدعو فيه لتحرّر المرأة من براثن الجهل. وقد وجد في رسالة الفن غايته ودعوته، وما هذا المعرض إلا دليلٌ حيٌّ على ما يجول في خاطره ووجدانه من تصورات ثقافيَّة وجماليَّة، فالعمل ليس اغواءً وما يفعله الفنان هو نتاج ثقة بالنفس؛ لهذا سيكون النجاح حليفاً للارتقاء بخطاب فني له وظائفه وطرائق أسلوبه لكل من اعتمد الصدق في التعبير. نعم نجح الفنان في ابراز سمات انتقائيَّة داخل العمل وتمكّن في مهمته من تحقيق تلك السمات التعبيريَّة - كنوعٍ من الاكتشاف - التي نبّهت المتلقي، وهذا في حدِّ ذاته مغامرة توسّع من خياله وذائقته أمام مشروع فني يدعو فيه للاهتمام
بالمرأة.