إذا كان هناك شعرٌ ناظرٌ إلى اللغة وما تأتي به علاقة الكلمة بأختها من دهشة، وشعر متوجّه إلى الأشياء يرقبها ويصف حياتها، فإنَّ شعراً ثالثاً بينهما ليس له شغل إلّا الوقت، يتأمّل فيه الشاعر الوقت وهو يمضي تاركاً أثره عليه وعلى العالم من
حوله.
أستطيع أن أسمّي "قصائد وقت" عظيمة خالدة، تقفز إلى ذهني الآن "الرباعيات الأربع" لإليوت التي هي وقوف شعريّ فلسفيّ على تلّة الحاضر لرؤية الزمن الذي يسيل من الماضي إلى المستقبل، وهي أشبه ما يكون بنشيدٍ جنائزيٍّ لرثاء الوقت، ما يعني في آخر الأمر رثاءنا نحن. بدليل اللازمة التي تتكرر "في بدايتي نهايتي".
قصائد شبّر وجيه هنا وفي كتابه الأول الذي يعتزم إصداره قريباً هي قصائد وقت، مشغولة بترقّب زمنٍ ما، زمنٍ مهدورٍ غالباً، وما يأتي به الزمنُ مكرّرٌ لا جديدَ فيه " تتكرّرُ الأيَّام ولا علامة لنهارٍ جديد".
يعرّف الشاعر وظيفته، إنّه فنار يراقب سفن الوقت تمرّ. يكتب: "أرقبُ الوقتَ جيداً وأحسبُ أحزاني قطرةً قطرة". وحتى حين يقف أمام ذاته فإنَّه لا يراها الآن في لحظتها الحاضرة بل يتخيّل ما يمكن أن تكون عليه حين يمرُّ عليه الوقت. يرى إلى صورته في المرآة فـ "يعِدُّ المرآة بتجاعيدَ جديدة".
حيرة شبّر وجيه ليستْ مما تأتي به الأشياء أو المواقف، حيرته من هذا الوقت الذي لا يني يكرُّ تبعاً لتصميم لا يُدرك ولا يمكن إمساكه. يصف ذلك بقوله إنّه متروكٌ مع الوقت بحّاراً لحيرته.
وبحّارُ الحيرة هذا ليس له أنْ يسافر حُرّاً في الآفاق لأنّ ثمة ما يشدّه إلى ماضيه دائماً. يكتب في آخر قصيدته "سيبقى الحبلُ مشدوداً إلى قفص الذكريات".
هذه قصائد وقتٍ لشاعرٍ هو في أوّل وقته، منشغل بتأمّل الزمن وأمامه الزمن
كلّه.
أحمد عبد الحسين