عبد الزهرة محمد الهنداوي
بتنظيم فيه الكثير من فخامة الاستقبال، وجمال الاحتفال، للرئيس الايراني الجديد، مسعود بزشكيان في أول زيارة له، بعد تسنمه منصبه رئيسا لجمهورية إيران الاسلامية، خلفا لسلفه ابراهيم رئيسي، الذي قضى في حادث تحطم طائرته في ظروف ما زال الغموض يلفها حتى هذه اللحظة. فقد حظي بزشكيان، باستقبال رسمي عالي المستوى من لحظة هبوط طائرته في مطار بغداد الدولي، وفي القصر الحكومي، كان الاحتفاء بالرئيس الطبيب، احتفاءً يليق بعظمة العراق، وكرم أبناء الرافدين، الذين لا يشبههم أحد في كرمهم اللا متناه، حفاوة، كان من نتائجها توقيع أربع عشرة مذكرة تفاهم بين البلدين، في مختلف المجالات، شملت التعاون التدريبي، والشباب والرياضة، والتبادل الثقافي والفني والآثاري، والتربية، والاعلام والاتصالات، والسياحة، والمناطق الحرة، والزراعة والموارد الطبيعية، والبريد، والحماية الاجتماعية، والتدريب وتطوير القوى العاملة، والانشطة التجارية. وواضح من خلال ما غطته هذه المذكرات من مساحات ومجالات واسعة، أن العلاقات بين بغداد وطهران، ستتخذ مسارات، أكثر انسجاما وتفاهماً ستنعكس ايجابا على المستوى البيني والإقليمي، وحتى الدولي، وربما يسهم أيضا في تقريب وجهات النظر، وترطيب العلاقات بين طهران وبعض من الدول الأوروبية، والولايات المتحدة، التي تفرض عقوبات مشددة على إيران، يأتي كل ذلك في ظل تأخر الرد الايراني على جريمة الكيان الصهيوني باغتيال زعيم حماس اسماعيل هنية وسط طهران، ومثل هذه القراءات ستساعد كثيرا على تطمين دول المنطقة وتبديد مخاوفها من احتمال اندلاع صراع عسكري، يتطاير شرره على جميع بلدان المنطقة.
زيارة بزشكيان إلى العراق، لم تقتصر على العاصمة بغداد، بل طار منها إلى اربيل ومن هناك إلى السليمانية، ثم إلى النجف الأشرف، صعودا إلى كربلاء المقدسة، ثم التوجه إلى محافظة البصرة، ومن هناك عاد إلى عاصمته طهران، ومما لاشك فيه ان هذه الرحلات المكوكية، بين خمس محافظات عراقية، فضلا عن العاصمة بغداد، فإن كل واحدة منها لها رمزيتها ودلالاتها الخاصة، على الرغم من البعض قرأ محطات الرئيس الايراني في هذه المحافظات العراقية، قراءة سلبية، اذ لم يفعلها رئيس قبله، ففي الغالب أن زيارات الزعماء والرؤساء إلى العراق، تقتصر على العاصمة، واحيانا تمتد إلى اربيل، فما الذي يمكن قراءته من هذه الحركة لبزشكيان، وما الذي كان يريده هو من منها؟ وكما هو واضح أن الاجواء التي سادت محطات رحلة الرئيس الايراني بين المحافظات العراقية، كانت ايجابية، ولم يلحظ أحد أن ثمة انزعاجا من الحكومة الاتحادية، أو من الحكومات المحلية، من هذه الزيارة.
اذن وبصرف النظر عن القراءات الأخرى، يُستشف من معطيات الزيارة، أنها كانت إيجابية في جميع محطاتها، وتنسجم تماما مع توجهات العراق، باعتماد (دبلوماسية الشراكة) في بناء شبكة علاقات اقليمية ودولية تستند إلى التكافؤ بين البلدان، ومصلحة العراق العليا، ولهذا فإن الكثير من القراءات لهذه الزيارة أشارت إلى أننا سنكون أمام مرحلة جديدة من العلاقات والتعاون بين العراق وايران، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وحتى رياضيا، بلحاظ مذكرات التعاون التي جرى توقيعها في بغداد.