ا.د. عماد مكلف البدران
ربما أتكلم من وجهة نظر أب وليس من زاوية ملم بعلم النفس أو باحث في الشأن السايكولوجي، على الرغم من أن ما سأطرحه جدير بالدراسة من المتخصصين، ولعل الأمر أصبح ملحاً للغاية إلى حدٍ لافت للنظر، ويتسبب بأزمات غاية في الخطورة قد تنتهي إلى ظهور شخصيات معادية للمجتمع، بعد أن لفتها شرنقة الانطواء وتمكن منها التوحد، ثم خاضت أياما تعيسة من الكآبة والانهيار النفسي، هذا ما تسببه وستسببه عزلة أجهزة الموبايل والآيباد والأجهزة الأخرى، التي ترتبط بالشبكة العنكبوتية الانترنيت، وما تزخر به من تنافس محموم لمواقع التواصل، التي أجدها من الأسباب الرئيسة للكآبة هذه الأيام، والتي انتشرت لدى فئات من أعمار مختلفة، لكنها اصطادت المراهق والمراهقة وأودت بهما ورمتهما بأودية من هلاك بطيء، حينما تسللت الأفكار المؤثرة المشحونة بالعواطف إلى أدمغة فارغة، ما زالت تبحث عن حلول لحياتها ولملء الفراغ بعدما ابتعدت عن اساسيات وجودها وعقيدتها، وعن رصد الأهل ومتابعتهم وتربيتهم، وهؤلاء انفسهم وقعوا بشرك وسائل التواصل، ولم يشفع لهم سوى أعمارهم من ان تلفهم دوامة الكأبة، وهكذا وجد معظم الشباب انفسهم في دوامة أفكار هي خليط من إلحاد وشهوات وعنف، وأخطرها التي تنساب إلى عقولهم من زوايا العواطف أي ما تزخر به المسلسلات من علاقات الحب غير المشروعة، وهي تمارس الغيرة والحقد والحيلة والظلم والقتل، ومعظمها اختفى فيها البطل القيمي وحل محله البطل من صناعة لا تنتمي لبيئتنا، وكأنه فضائي غريب الاطوار والتصرفات والمعتقدات ويؤمن بقدير غير ما نؤمن به نحن المسلمين الله الواحد القهار، وأننا الآن نشهد أفكارا غريبة تقتحم العقل بشكل ممنهج وتنساب بخبث، مخربة لكل الثوابت الأسرية، متحدية القيم تحت عنوانات شتى، ولافتات الإنسانية والحرية، لكنها تبتعد بالشباب عن محيطهم وتشعرهم بالغربة وعدم الانتماء إلى تراثهم الفكري وتاريخهم والأهم واقعهم وبيئتهم، ليجدوا أنفسهم من غير أن يشعروا يسبحون ببحرٍ من التشوش والضبابية ما يُعقد حياتهم ويُصعب عليهم الاختيار وكلما انتقلوا إلى مرحلة جديدة حملوا معهم بذور التشوش، ومن ثم ظهور علامات الانفصام في شخصياتهم ما يصعب رصدها في المجتمعات المتخلفة، لتظهر مجاميع تعيش الكآبة والانطواء وكثرة هؤلاء يخلق جيلا مريضا، وهذا ما تريده بعض الدوائر التي تستهدف المراهق والشاب لتحوله إلى مستهلك للأفكار الغريبة، وتسعى لتدميره واخرى تحاول تحويله إلى مستهلك لبضاعتها الإلكترونية من برامج والعاب ومقاطع، وبالتأكيد أحد أهم أهدافها الربح المادي، بعدما أن تُعيّش الشباب بلذة وهمية، وتخلق لديهم متعة زائفة، انها صناعة الكآبة التي اصبح علاجها بأيديهم، وهي أن يدمن الشاب الدخول إلى المواقع المختلفة، ومن أجهزة مختلفة، وفي ساعات لا حدود لها مع صناعة الكآبة بقالبٍ من المرح الوهمي، ولعل اكبر دليل، هو ظهور الشخصيات المعقدة والعدوانية والمريضة، التي لا تجيد إيجاد الحلول وابتكارها، وكذلك الاستسلامية العصبية، التي تجتذبها الشهوات وترتع في عالم من الجنس، وهو هدف أعداء القيم واخطر نتيجة لصناعة الكآبة والانطواء هو انتعاش سوق المخدرات علاجاً لحالة الكآبة، وربما تُسهم أدوية علاج الكآبة بالترويج للمخدرات، وهذا ما تؤكده التقارير الطبية التي بدأت تكشف عن أعداد كبيرة تراجع الأطباء، وهي تعيش أجواء الكآبة والعزلة ومعظمها حالة صنعتها ساعات التجوال في المواقع واللعب الالكتروني، وبهذا تُضاف تجارة المخدرات إلى تجارة الالكترونيات والمواقع في صفحة مخربة، تستهدف جيوب المراهقين والشباب، إن الحل يكمن بإزالة أسباب الكآبة، وذلك بإجبار الأجيال على التقليل من استعمال أجهزة الموبايل، ودعم ممارسة الرياضة، ومراجعة الدروس، وممارسة الهوايات الأخرى، التي تهتم بالجسد
والعقل.