حبيب السامر
• بعد أن ودّعنا مجمرة ذلك اليوم الساخن، كانت درجة الحرارة أكثر من نصف درجة الغليان، والمدينة تفور حتى تكاد تنصهر في ذلك الصيف اللاهب، كانت المضيفة الأنيقة ببدلتها الخضراء تعلن عن انطلاق الرحلة ويتوجب علينا ربط أحزمة الأمان، تلك الرحلة القصيرة على أجنحة تلك الطائرة الصغيرة “البوري” كما يحلو لبعض الركاب تسميتها.
الوقت يمر سريعاً، نتطلع إلى المكان من النافذة البيضوية الصغيرة إلى معالم مطار الهبوط وقد تناثرت قطرات المطر على زجاج النافذة، يا للمفاجأة الأولى في رحلة تلتمع شوارعها المبلولة والمغسولة من مطر يهمي على تلك المدينة.
إنه مطار صغير يستقبل ضيوفه وسط ابتسامة “حسين” الذي كان ينتظرنا، وهو يتطلع إلى ورقته ليدقق الأسماء، وبعد إجراءات روتينية صعدنا “الميني باص” الرصاصي ليشق بنا طريقاً مشجّراً ومحفوفاً بسيقان أشجار عملاقة، كان السائق يتذمر كثيراً كلما صادفته تلك المطبات الإسفلتية لنصل بعد ما يقرب من ساعتين إلى “شهرزاد” ذلك الفندق الذي يقـع في “لا هيجان” بين غابات من أشجار كبيرة وخلفه الجبل الموشح بلوحة خضراء، هنا تساءلت: كيف لتلك الأشجار أن تنمو على قمة وسفوح ذلك الجبل الصخري؟ حين تمسك بحافاته بقوة ستُجرح أصابعك لصلادته، يا لبهاء تلك اللحظات المسكوبة في وعاء الزمن والمبثوثة عبر التأريخ.
• في رمل البحر غطست قدماها وهي تنتظر عودة “علا” المدللة من رحلة قارب ابتعد كثيراً عنها، وكان “ جعفر” يبتسم والخوف في ملامحه، لحظات وعاد القارب من شيطنته وهو يصارع الموجات الغاضبة.
• ينشغل المسافرون بلقطات للطبيعة ولحركاتهم المتنوعة من أجهزتهم الخلوية، في حين كنت ألتقط صوراً لعلامات الدلالية المرورية كي أعود لها في لحظة توهج الكتابة.
• السائق الأوزبكي كما أسميه لشبهه الكبير بالشخصيات الأوزبكية والروسية، يعد لنا أبريق الشاي في كل رحلة” شاه روخ” هكذا يناديه “حسين” في رحلاتنا المعَدّة بدقة، هذا السائق الخمسيني الذي خبر الطرق الملتوية والشاهقة وهو يوصلنا إلى “ماسولة” تلك القرية التي تلامس الغيم ويرصّع جبهتها الشجر العملاق.
• مدينة أنزلي، أكواريوم الأسماك، ميناء وأهوار أنزلي، رحلة القوارب، النباتات المائية الطافية على وجه الماء، يتوقف الحلم في ممراتها، تعرجات منافذها التي تقودنا إليها، هكذا تركد في قاع الذاكرة رحلة بحجم السنوات، ومن تغيب عنه رشقات الأمطار في تلك الساعة.
• في الليل تتوحد الأشياء، إلا من أضوية السيارات وهي تصطدم بجمهرة أشجار على أرصفة الطرق، كانت تلمع وتلصف كلما لامسها كف الضوء.
• مدينة ماسولة ومزارع الشاي في فومن، الجبال والوديان الخضراء، الأجواء الجميلة، الثقافة التقليدية، وحكايات لا تنتهي!
• الأكواخ، أو كما يطلق عليه أصدقاء الرحلة “فندق جالدرة” تلك القرية التي يحدها الماء من كل الجهات والجبل حارسها الأمين، تدخلها من جسر يحرس مسانده الماء السريع النازل من جبال بعيدة، غابات دو هزار وهي تغلّف السماء بأغصان متداخلة، هي سماء من شجر كثيف.
• في السفر تكتشف أسرار أشياء مبهمة “فضل” الشاب الطموح يحاول أن يتعمق بأسئلته وينتظر إجابات تريح ذائقته، يغور بعيداً في تلك الغابة الموحشة ليكتشف لنا ما يحيطها قال ذات مرة: هنا غزلان وأحصنة وملاعب تنس والنباتة، وأراجيح جميلة، صمتنا جميعاً وفي صباح اليوم التالي اكتشفنا حقيقة قوله.
• غابات عباس آباد المرصوفة بأشجار ومناظر خلابة، كم يتوجب علينا أن نكتب عن سحرها، وقلائد الحياة في مدارات ساحاتها، كانت أوراق الأشجار تتلامع مع رشات المطر الخجول، وهو يطفئ لظى لهيب آب في دواخلنا.
• رامسر مدينة الحياة، تتسارع حركة العجلات وهي ترسم خرائط سياحية متعددة، على مرمى فرح تتناسق البيوت التي تتشابه سقوفها، وقد شيدت على الطريقة الصينية، والطبيعة هنا تسير على هواها، لا يكاد يخلو أي شارع من اخضرار وزحف نباتات تمازح الطرقات.
• مدينة جالوس الساحلية، كانت التلفريكات تتسارع بخطوها على أسلاك مربوطة بين مكان الانطلاق وقمة الجبل، كنت أنظر في عيني “علا” رغبة حميمة كي تصل إلى قمة جبل نراه بعيدا جدا.
• مدينة دو هزار، كانت بحيرات سمك السلمون تتقافز مع أفكارنا، ونحن نلتقط الصور عن مساحات تتداخل فيها الأسماك الرصاصية والبرتقالية، هذه البحيرات الواسعة التي تحتوي على أنواع السمك، وحين تدخل المطعم، تتسلق السلم لتصل إلى الطابق العلوي الذي يشرف على تلك المستعمرات المائية الجميلة، وتأخذك المناظر المحيطة نحو عوالم من خيال، هناك أحصنة خارج المكان، بموازاة الشارع الرئيس ينعم الأطفال برحلة قصيرة، وهم يمثلون أدوار البطولة في أفلام يقلدونها.
• سكون الطحالب في بحيرة سارافان في كيلان، وتلك الغابة الهادئة التي تحيط بها، تغطي الطحالب الناتجة من رطوبة البيئة في تلك الغابة، تغطي منطقة البحيرة بأكملها بغطاء أخضر وفريد من نوعه، يا لها من نزهة حين تعوم البطات على سطح من طحالب خضراء، بفعل حركة أرجل المتنزهين في تلك الرحلة العجيبة.
• في ذاكرتنا ترقد آلاف الحكايات وألبوم صور لا ينتهي عن تلك الرحلات الغنية بالطبيعة الأخاذة وطيبة ناس ترافقهم في تلك الرحلة.