التعداد السكاني بعد غيابٍٍ طويل

آراء 2024/09/18
...

محمد صادق جراد

يتفق الجميع على أن التعداد السكاني، يوفر ثروة من المعلومات والبيانات التي تحتاجها أي دولة، من أجل تحقيق التنمية الحقيقية وتقديم الخدمات للمواطن وتشخيص العديد من المعوقات، والمشكلات التي يعاني منها المجتمع لأن البيانات لا تقتصر على عدد السكان في البلد أو الإقليم أو المقاطعة، بل يشمل توزيع السكان وتركيبتهم النوعية والعمرية، ووصف دقيق لمعيشتهم ونوع الخدمات التي يحتاجونها كالماء والكهرباء والمجاري وخصائص اقتصادية واجتماعية أخرى، لها دور كبير في رسم السياسات الاقتصادية وتساعد الحكومات في التخطيط الاستراتيجي، كما تسهم في تقليل مخاطر الكوارث وتقدم تحليلات مهمة لسوق الأعمال التجارية والزراعية، وتشغيل الأيدي العاملة ومكافحة البطالة وإحصائيات أخرى كثيرة. وبالرغم من كل هذه الحقائق التي يعرفها الجميع، إلا أن إجراء التعداد السكاني غاب عن المشهد العراقي منذ 1997، بالرغم من إقراره والحديث عن الحاجة الماسة له لأكثر من دورة برلمانية، وأن غيابه كل هذه السنوات، دليل فشل الحكومات السابقة، التي انشغلت في الصراعات القومية والدينية والمناطقية، وقدمت مصالحها الفئوية على المصلحة الوطنية العليا. وبغياب التعداد السكاني غاب التخطيط الاستراتيجي للتنمية الاقتصادية كما غابت الخدمات عن المواطن العراقي، لعقود طويلة وتابعنا العديد من المشاريع المتلكئة، هنا وهناك والتي اصطدمت بسوء التخطيط والتعارض مع وزارات أخرى، الأمر الذي حال دون إكمالها لأنها لم تعتمد على بينات دقيقة، وتم العمل بها بدون تخطيط استراتيجي ممنهج.
ولا بد من الاشارة هنا إلى أن العراق كان بأمس الحاجة إلى تنمية اقتصادية حقيقية، بعد سقوط النظام المباد، وبعد الخروج من أكثر من حرب وبعد تدمير البنى التحتية، ولقد كان ذلك يحتاج إلى مجموعة بيانات ومعلومات يعتمد عليها القائمون بالتنمية، من أجل إعادة الإعمار، وفق أسس صحيحة وبالاعتماد على معلومات وبيانات اكاديمية يمكن الاعتماد عليها، وهذا لا يتوفر إلا بالتعداد السكاني. ما يهمنا اليوم أن التعداد السكاني أصبح قاب قوسين أو أدنى من التحقيق، وعلينا جميعا أن نعمل على نجاحه وتوفير البيانات الكفيلة بإعطاء صورة واضحة للحاجة الفعلية للخدمات ومراعاة النمو السكاني وما يترتب عليه من زيادة في الأبنية المدرسية والمؤسسات الصحية والمساحات الزراعية والمؤسسات الصناعية والخدمات المهمة الأخرى.