خان يونس.. رحيل الأحبة

آراء 2024/09/19
...

 حسن الكعبي 


بعد الخراب الذي خلفه القصف الإسرائيلي على ( خان يونس)، تناقلت وسائل الإعلام مشهدا مأساويا لامرأة، افترشت الخراب وركام المباني الناتج عن القصف الوحشي للعدوان الإسرائيلي، وهي تندب الضحايا « راح الحبيب وراء الحبيب، راح الغالي وراء الغالي، صدمة وراء صدمة»، نحيب هذه المرأة الثكلى المترملة، يلخص حجم الدمار الذي لحق بخان يونس وأهلها (بأطفالها الأبرياء بشبابها وكهولها ونسائها)، الأحبة الذين قصدتهم تلك المرأة ربما هم ابناؤها ربما اشقاؤها أو شقيقاتها أو جيرانها أوكل ما كان يمنح لحياتها 

معنى. لم يكن هذا المشهد، هو الوحيد في سلسلة المشاهد المأساوية منذ العدوان الاسرائيلي على غزة والى يومنا هذا، بل هو واحد من تلك المشاهد، التي تدين القلوب المتحجرة والضمائر الميتة التي تتفرج على هذه المشاهد، وكأنها تتفرج على نوعية من الافلام الدرامية المفبركة، أو انها تسمع وتشاهد مأساة افتراضية لا وجود لها على أرض الواقع، وذلك ما يعبر عنه الصمت الدولي المطبق، والذي يلتحف صمتا اكبر ويسد اذنيه عن سماع نداءات الاستغاثة والمناشدة التي تصدر عن هذه المرأة الثكلى أو ذاك الطفل الذي فقد اهله أو ذاك الرجل الذي لم يعد له احد أو ذاك أو ذاك... الخ من المشاهد المأساوية، والادهى انه وحين الخروج من هذا الصمت فان القرارات والمواقف التي تصدر عنه تكون مخجلة للغاية مواقف باردة لا ترقى إلى حجم المأساة، فهي لا تعدو كونها رديفة اللامبالاة ازاء قضية سحق الانسان وابادته ابادة كاملة، فالقضية لم تعد قضية شعب فلسطيني مسلم عربي تتم ابادته، انما قضية بشرية تباد بالكامل وجريمة حرب ترتكب بحق الانسان بغض النظر عن عرقه أو

 دينه. ان هذه الجرائم لن تتوقف ما لم تكن هناك مواقف دولية، لمواجهتها وإيقافها، تجنبا لإبادات أكبر تتيحها التسويفات، وما ينبغي وما لا ينبغي، والبحث عن حلول إرضائية لجميع الأطراف، فما بين المواقف العربية الباردة والمواقف الغربية الداعمة للعدوان تتسع المأساة وتتكاثر الضحايا، الامر الذي يتطلب حلولا سريعة وجذرية إنقاذية لمجتمع يباد بالكامل، بغض النظر عن البحث في مسألة الأحقية لمن تكون في هذا الصراع الدامي.

لقد تعدت هذه الجرائم حدود السادية والحدود التي تفوق اي تصور بشري بحق شعب، يواجه عدواً على قناعة كاملة بوجوب ابادته وسحقه بالكامل على مرأى ومسمع العالم برمته، دون ان يتحرك هذا الاخير بوازع اخلاقي أو ديني أو انساني أو تحت أي يافطة ترفع شعارات الحرية والديمقراطية، للذود عن الشعب الاعزل، الذي يحاول ان يدرأ خطر الابادة المنفذة باكثر الاسلحة تطورا، من خلال عقيدته وبأحقيته في

 أرضه.

إزاء هذا التفاقم للأزمة وللمأساة الفلسطينية، فإنه لم يعد من المتوقع إنقاذ هذا الشعب من قبل المواقف الدولية الرسمية، ولذلك فان هذه قضية تتطلب موقفا جماهيريا دوليا، ينطلق من تحيزات انسانية للضغط على حكوماتها للمسارعة بإيقاف هذه المأساة، التي أصبح من الصعب احتمالها أو تسويفها والمماطلة فيها، بمدعيات كثيرة لا 

مبرر لها.