تصحيح القوميَّة.. القرار المجحف

آراء 2024/09/19
...

   نرمين المفتي 

 

يأتي الانتماء إلى البلد، أي بلد، أولا، لكنه لا ينفي الانتماءات الأخرى، وبهذا المعنى فالانتماء إلى العراق يأتي قبل اي انتماء آخر مع الاعتزاز بالانتماءات القومية والدينية والمذهبية.

 والمعروف أن في الدول التي تحترم مواطنيها وتعمل لاجل حفظ كرامتهم في العيش الكريم ورفاهيتهم، فالكل سواسية في الحقوق والواجبات وامام القانون وفي فرص العمل، بغض النظر عن العرق والجنس والدين والمذهب وعن المصطلحين الاغلبية 

والاقلية. 

شهد العراق على مدى تاريخه الحديث، بالرغم من أنظمة الحكم المختلفة، صراعات قومية ومذهبية، كانت تشتد أحيانا وتخفت في أخرى، وكانت غالبا ذريعة للتدخل 

الخارجي. 

كانت الأنظمة المتعاقبة وفي محاولاتها لمواجهة هذه التدخلات، اما تصدر قرارات افتراضا تمنح حقوقا وفرصا شبه متساوية أو تلجأ إلى التشدد وإصدار قرارات 

مجحفة. 

هنا اريد الإشارة إلى القرار 199 لسنة 2001 والصادر عن (مجلس قيادة الثورة) المنحل والذي جاء ليتمم عملية تعريب كركوك والبلدات ذات الغالبية التركمانية حينها مثل تلعفر، علما ان القرار كان ساريا على الكرد والكرد الفيلية والأقليات الأخرى. والقرار نص على حق العراقي الذي أتم 18 من العمر طلب تغيير قوميته إلى القومية العربية. واذ لا يبدو القرار من خلال أحكامه بأنه يرغم غير العرب على تغيير أو تصحيح قوميته، لكنه اصبح كالسيف على رقاب من يبحث عن تعيين أو يؤجر عقارا من الدولة أو يشتري قطعة ارض أو بيتا وغيره من المعاملات الرسمية، لا خيار أمامه إلا أن يغير قوميته إلى العربية، وعلى هذا الاساس، اضطر الكثيرون على تغيير قومياتهم. وكان النظام السابق وفي اشارة متأخرة جدا حاول أن يجعل الذين ظلمهم هذا القرار ان يلتفوا حوله وهو يواجه الحرب القادمة ونهايتها، أصدر قرارا برقم 48 في 10 اذار 2003 يلغي القرار 199 لسنة 2001 على أن ينفذ من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية والتي لم تصدر بسبب الحرب التي بدأت في 19 من الشهر نفسه وسقوط النظام. وافترض الذين ظلمهم القرار 199 بأنه أُلغي تلقائيا، خاصة أن سجلات النفوس تحتفظ بوثائقهم التي تعيدهم إلى قومياتهم الأصيلة، لكنهم أصيبوا بخيبة امل. وحاول مجلس النواب في دورته الاولى اصدار قانون يلغي هذا القرار وقدمت اللجنة القانونية في شهر آب في 2008 مقترحا تحت عنوان «مقترح قانون الغاء قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) رقم (199) لسنة 2001.» 

ويبدو أن المقترح استمر كما هو ولم يتحول إلى قانون.. لماذا اكتب عنه الآن؟ لأن المحاصصة المعمول بها في العراق عامة وكركوك خاصة، تعمل على أساس القومية وحين يتقدم تركماني لمنصب ما اعلى من منصبه في دائرته مثلا، يكتشف انه في سجله في دائرة الاحوال الشخصية من القومية العربية، بالرغم من والديه وجديه من القومية التركمانية، وقد حاول شخص أعرفه أن يصحح قوميته، كان جواب الجهة المختصة بأن القرار 199 لا يزال نافذا ولا يستطيع أن يصحح قوميته، لأن في شرح القرار وأحكامه فإنه يحق للشخص ان يغير قوميته لمرة واحدة فقط.. هناك الآلاف من التركمان والكرد والكرد الفيلية والشبك وغيرهم ممن اضطهدهم هذا القرار السيئ الصيت، ولا بد من الالتفات اليه وإصدار قانون يلغيه أو إصدار توجيه بتصحيح سجلات النفوس والعودة إلى الأصلية وكلها محفوظة ومعروفة.