اغتيال انتخابي

قضايا عربية ودولية 2024/09/19
...

علي حسن الفواز




يبدو أنَّ حديث الاغتيال السياسي في الولايات المتحدة أصبح مجالاً للترويج الانتخابي، ولوضع مفهوم القربان في سياق التأثير في مزاج الناخب الأميركي، فبقطع النظر عن حقيقة هذا الاغتيال أو سرديته، فإنَّ الانتخابات المقبلة ستشهد تنافساً تُستخدم فيه كل الأسلحة الديمقراطية وغير الديمقراطية، وسيفتح الديمقراطيون والجمهوريون حسابات مكشوفة للرهان على الفوز، وعلى وضع المواطن أمام إغراءات وروايات من الصعب تصديقها.

الادعاء بأنَّ محاولة اغتيال جديدة تعرّض لها المرشح الرئاسي دونالد ترامب يكشف عن مظاهر للترويج الانتخابي، مثلما يكشف عن مظاهر مثيرة للجدل بشأن تهديدات العنف، وصولاً إلى تهديد العملية الديمقراطية، وجعل الرؤساء المرشحين في منطقة ساخنة، فما قالته الشرطة السرية الأميركية عن الاغتيال يضع علامات استفهام حول الحدث، ومكانه وأسبابه، فـ"ملعب الغولف" هو مكان أرستقراطي، وتمثيلي لثقافة النخب الأميركية، وأنَّ تحوّله إلى ميدان لتصفية الحسابات الرئاسية يشير إلى مآلات تضخم العنف في الحياة الأميركية، والهوس بحيازة الأسلحة التي باتت مصدراً لجرائم كبيرة، لاسيما بين المراهقين، أو بين العنصريين، ولأهداف تدخل فيها النوايا، ومنها ما يتعلّق بالاغتيال الانتخابي.

العنف المسلح يعني عنفاً في السياسة، وعنفاً في الأخلاق، وفي رثاثة الثقافات المدنية التي باتت تفقد كثيراً من إنسانيتها، ومن رموزها، ولعل محاولتي الاغتيال التي تعرّض لهما ترامب تؤكدان غلو تلك المظاهر، وطبيعة الدوافع التي تضع هذا المرشح هدفاً للعنف، وجعله ضحية للديمقراطية، ولقداسها السياسي، وكأنه يوحي بأنَّ فوزه في الانتخابات المقبلة سيجعل من الولايات المتحدة بلداً "غير مسلح" وأن شعبويته ستتحول إلى قوة رمزية تؤكد عالمية الثقافة الأميركية، وفاعلية نظامها "الديمقراطي" المُهدد بالهشاشة، وبصعود قوى اليمين المتطرف الذي يدعم صناعة الحروب، والأنظمة التي تمارس سطوتها وعنفها على الآخرين، حتى بات دعم الولايات المتحدة للكيان الصهيوني واحداً من أكثر المظاهر تمثيلاً لأخلاق وثقافة العنف الأميركي، وأنَّ ما يثيره المرشح الجمهوري ليس بعيداً عن ذلك، وحتى ما تطرحه المرشحة الديمقراطية يضع مشروع دعم حروب الدول الصديقة للولايات المتحدة من الأوليات التي تجعل من العنف الأميركي ومن سياسات تسويغه مجالاً للحفاظ على التوازن الدولي، وعدم السماح بنشوء دول أو تكتلات عسكرية أو اقتصادية تهدد المركزية الأميركية، أو نشوء أسواق وممرات عابرة للقارات تفرض شروطها على حسابات التجارة الأميركية، وعلى دورها في التخفيف من مظاهر التضخم والعزل والتهديد.