بيروت: جبار عودة الخطاط
على مدار أربعة أيام وجدت الضاحية الجنوبية لبيروت نفسها في مشهد كارثي، أقرب لأجواء أفلام الرعب الهوليودية، فالوجوم والترقب في الشارع البيروتي يشيان بحجم الصدمة، والألم في وجوه الناس مما حصل جراء الاستهداف الصهيوني الذي تجاوز كل الخطوط الحمر، والسؤال الذي بات يطرحه الجميع: ما هو مستوى رد حزب الله؟.
وطبيعي أن رد حزب الله على الانتهاكات الصهيونية الخطيرة، هو الذي سيحدد بوصلة الأحداث في الأيام القادمة، وهل ستتجه لحرب شاملة على حدود لبنان مع فلسطين المحتلة، فالحزب الذي نعى أمس السبت قائدين جهاديين كبيرين، فضلًا عن 14 مقاتلًا آخرين يصر على أنه لن يترك مساندة غزة التي تتعرض لحرب إبادة منذ السابع من تشرين الأول من العام الماضي.
مصدر مواكب للأحداث أكد لـ"الصباح"، أن "رد حزب الله لا يمكن أن يراعي في المرحلة المقبلة قواعد الاشتباك، بينما العدو الإسرائيلي يمعن في انتهاك كل المحرمات من قواعد وقوانين، نعم الحزب أمام معادلة دقيقة: هي كيفية الرد العادل على جرائم إسرائيل؛ بحيث تبقى صورة الردع التي رسمها منذ حرب تموز 2006 ماثلة ولا تتغير، وبنفس الوقت الحرص على الوضع غير الطبيعي الذي يعيشه لبنان وماذا يمكن أن يحصل إذا ما تدحرجت الأمور لحرب مفتوحة".
في هذه الأثناء، ما زالت فرق الإنقاذ منذ عصر يوم أمس الأول وحتى ساعة كتابة التقرير؛ في مهمة معقدة لانتشال جثث الضحايا من تحت أنقاض البناية التي استهدفتها الغارة المذكورة وأتت على كامل الطوابق السبعة في منطقة الجاموس؛ مقابل مجمع القائم في الضاحية الجنوبية، هذه الغارة التي استهدفت اجتماعًا لقادة فرقة الرضوان التي تمثل قوات النخبة في حزب الله، من خلال 4 - 6 صواريخ وجهت للبناية، ومرأب السيارات في الطابق الأول تحت الأرض؛ نزولًا للطابق الثاني تحت الأرض حيث الاجتماع المذكور.
ووفقًا لوزير الصحة اللبناني فراس الأبيض الذي أكد في مؤتمر صحفي في بيروت أمس السبت؛ أن حصيلة الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية في منطقة الجاموس بلغت حتى الآن 31 شهيدا؛ بينهم 3 أطفال و 68 جريحًا؛ وأشار الوزير إلى أن العدد الإجمالي لضحايا هجمات اللاسلكي والغارة على الضاحية بلغ 70 شهيدًا؛ وشدد الأبيض على أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة انتهكت القانون الإنساني الدولي بشكل بشع، بينما أعلن حزب الله في بيان له: "التحق اليوم القائد الجهادي الكبير الحاج إبراهيم عقيل (الحاج عبد القادر) بموكب إخوانه من القادة الشهداء الكبار بعد عمر مبارك حافل بالجهاد والعمل والجراح والتضحيات والمخاطر والتحديات والإنجازات والانتصارات".
ومثلت عملية اغتيال القائد إبراهيم عقيل خسارة قاسية يتلقاها الحزب نظرًا للثقل القيادي والتأريخ الذي يمثله القائد المذكور في البنية التنظيمية للحزب. كما نعى الحزب في بيان آخر "القائد أحمد وهبي من بلدة عدلون في جنوب لبنان وسكان مدينة بعلبك في البقاع، الذي تولى مسؤولية قوة الرضوان حتى مطلع 2024"، مشيرًا إلى أن "وهبي قاد العمليّات العسكريّة لقوّة الرضوان على جبهة الإسناد اللبنانيّة منذ بداية معركة طوفان الأقصى وحتى مطلع العام 2024، ليُعاود تصديه لمسؤوليّة وحدة التدريب المركزي بعد استشهاد الشهيد القائد الحاج وسام الطويل". ونعى الحزب أيضًا 14 مقاتلًا من صفوفه.
في السياق، أشار عضو كتلة حزب الله، النائب علي فياض، إلى أنّ المقاومة تخوض ضد العدو الصهيوني مواجهة كبرى وحرباً حقيقية، وهذه الحرب لها قيمة استثنائية وتاريخية، وأنّ المقاومة تمكنت من إلحاق الأذى والخسائر الجسيمة والنتائج الكارثية على جيش العدو ومستوطنيه واقتصاده وكيانه، مشيراً إلى أنّ ما حصل يومي الثلاثاء والأربعاء يجب أن يوضع في سياق هذه المواجهة الكبرى.
بدوره، أشار وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي إلى أن "الهجمات على لبنان واغتيال إبراهيم عقيل هي محاولات من جانب كيان محبط وفاقد الأمل". ورأى أن "إسرائيل وصلت إلى طريق مسدود، وتحاول جر المنطقة إلى المستنقع الذي هي عالقة فيه".
أما وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، فأكد في كلمة له أمام مجلس الأمن خلال الجلسة المخصصة حول الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان بدعوة من الجزائر، أنه "لم يعد أحد في هذا العالم بأمان بعد الهجمات الإلكترونية التي حصلت مؤخرا في لبنان وفاقت الخيال والتصور، وما نتج عنها من ضحايا مدنيين أبرياء بالآلاف من الجرحى، ومنهم أيضا ضحايا من الأطفال، والنساء، والشيوخ. إن مسؤولية مجلس الأمن ليست فقط تجاه الأبرياء اللبنانيين الذين سقطوا ظلما، بل باتجاه الإنسانية جمعاء. فإذا مر هذا العمل الإرهابي في مجلسكم مرور الكرام، بلا محاسبة، وتم تجهيل الفاعل، وعدم ردعه وإدانته، وإرغامه على وقف هكذا اعتداءات، فإن مصداقية هذا المجلس، والقانون الدولي، وشرعية حقوق الإنسان، في خطر محدق".
من جانبها، اعتبرت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت "أن الاعتداء الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت يشكل تصعيدا جديدا يحمل عواقب مدمرة"، وأوضحت في بيان، أن "الاعتداء الذي حصل في منطقة مكتظة بالسكان في الضاحية الجنوبية لبيروت يشكل تصعيدا جديدا مثيرا للقلق ويحمل عواقب
مدمرة".
روسيا كانت لها كلمة في هذا الوضع المأزوم من خلال وزير خارجيتها سيرغي لافروف، أنه يجري استفزاز "حزب الله" من خلال تفجير أجهزة "بيجر" من أجل جعل التدخل الأميركي في الصراع أمرا لا مفر منه.
إلى ذلك، يتصاعد التوتر الذي يشي بتطور خطير في الأحداث، فقد أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، بأنه جرى إغلاق المجال الجوي المدني من منطقة الخضيرة جنوب حيفا إلى الحدود مع لبنان
شمالا.