عباس الصباغ
عجّت مواقع السوشيال ميديا المنفلتة وبعض المواقع الخبرية غير الرصينة والكثير من الفضائيات ذات التوجه الاعلامي الاصفر بخبر الانحدار النسبي (المتوقع) في سعر برميل النفط، ودقت ناقوس الخطر من تأخر رواتب الموظفين، وقد يواجه العراق أزمة اقتصادية خطيرة وأن الاقتصاد العراقي في “ورطة” تدفع الحكومة إلى الاقتراض مجددا أو السحب من الفائض المالي المتحقق سابقاً، بعد أن أعدّت الموازنة بأعلى من السعر الفعلي للنفط، وقد يؤثر ذلك على تمويل الرواتب ضمن الموازنة بحسب رأيها، رغم التأكيد الحكومي بأن الرواتب جميعها مؤمّنة ولا خوف عليها من نقصان السيولة المالية ولسنتين قادمتين ـ كما أوضحت وزارة المالية ـ لذا لا توجد أزمة رواتب إطلاقاً عبر أولويات تنفيذ السياسة المالية العراقية، فهي مجرد شائعات مغرضة أو تكهنات لا أساس لها من الصحة تطلق بين الحين والآخر، وتبنى على التقلبات الراهنة في أسعار النفط وأن الرواتب لن تتأثر لأن سقف الرواتب أقل بكثير من هذا السقف المعمول به في
الموازنة.
ان الغرض المبيّت من نشر هكذا اخبار هو لإعطاء انذار مبكر ومتكرر لما حصل سنة 2014 حين هبطت أسعار النفط إلى مستوى غير مسبوق، وهذا شيء طبيعي لأي اقتصاد ريعي يعتمد على سلعة واحدة فقط بعد ارتهان الاقتصاد العراقي ببورصة النفط، التي تحددها أسعار العرض والطلب في السوق العالمية، والتي تتأثر بشكل مباشر بالأجواء والمناخات السياسية والمضاربات الاقتصادية والمالية، والهدف الحقيقي من تلك الاخبار، التي تبثها تلك المواقع هو لزعزعة ثقة رجل الشارع بالسياسة المالية والنقدية للحكومة، أو للتشكيك وزعزعة الثقة بالحكومة وبرامجها المعلنة، فما أن يحصل بعض التذبذب في اسعار النفط صعودا أو هبوطا وهو أمر اعتيادي ووارد جدا في سياقات الاقتصاد
الريعي.
ويجب ان يعلم الجميع حقيقة الاقتصاد العراقي الريعي، فلم تعدْ مفرحة تلك الأنباء التي تتحدث عن وتائر تصدير النفط وعن أسعاره في السوق العالمية صعودا لتمويل موازنات الدول التي تعتمد الريع في اقتصادها كالعراق، ويبقى القلق مزمنا لمن يراقب الخط البياني لمناسيب تلك الاسعار في حالة هبوطها النسبي وعدم استقرارها، فقد تلازمَ الريع فلسفةً واجراءً بالاقتصاد العراقي منذ اكتشاف النفط فيه وتصديره لأغراض تجارية في خمسينيات القرن الماضي، لرفد موازناته المالية منذ ذلك التاريخ وحتى الان، ونتيجة لتلك المعطيات والتي تفيد بان حوالي 98 % من الموازنات المالية يتم تسديد فواتيرها من تصدير النفط، والمطلوب من مهندسي الاقتصاد والمال ان يسرعوا إلى تنشيط بقية القطاعات بعيدا عن النفط كالزراعة والصناعة والسياحة لاسيما الدينية ما يساهم في رفد الموازنات المالية العامة للدولة وفي العراق الكثير من الامكانات المادية والبشرية واللوجستية التي تساعد على
ذلك.