نتنياهو وحروبه من أجل البقاء

آراء 2024/09/24
...

  سالم مشكور

الرئيس الأميركي جو بايدن يتحرك لمنع توسيع الحرب، والرئيس الأميركي نفسه يقول أنا صهيوني، ولو لم تكن هناك إسرائيل لكان علينا إيجادها. هناك  تناقض بين المقولتين؟. بالتأكيد لا، فالخوف من تصعيد الحرب ليس حرصا على الأمن في المنطقة أو على مصالح دولها، انما هو خوف من أن تؤدي هذه الحرب إلى إضعاف إسرائيل، وتكبدها خسائر فادحة لعدم قدرة قواتها على تحمل ضربات مباشرة. إذن هو خوف على إسرائيل وحرص على مصلحتها، فيما نتنياهو لا يبدو مشاطرا لبايدن بالرأي، بل يرى في توسيع الحرب ديمومة لنظامه وجرّا لأطراف أخرى في مقدمتها الولايات المتحدة، لدعمه من أجل توفير مبرر البقاء في منصبه. ربما يكون التوسيع المقبول أميركياً يقتصر على الحرب الالكترونية والمخابراتية التي صعّدتها تل أبيب مؤخراً، عبر هجمة البيجرات وأجهزة اللاسلكي، والقصف الجوي، الذي يعتمد على الجواسيس الداخليين، كما حدث في قصف الضاحية الجنوبية لبيروت لحظة اجتماع قادة أمنيين لحزب الله. مثل هذه الحرب لا تمانع واشنطن من دعمها كونها تحقق هدفاً مشتركاً للطرفين الاميركي والإسرائيلي، عبر استهداف مقاومين سبقوا وأن نفذوا عمليات ضد أهداف أميركية أيضا. بل إن هذا الأسلوب في الحرب يساعد أميركا في التخلص من أهداف معادية لها في العراق وسوريا أيضاً.
الاستهداف الأخير بآلياته الجديدة حرّك المطالبات بأن يركز الجانب المقاوم لإسرائيل على تطوير السلاح الالكتروني، الذي بات حاسماً في الحرب، فضلا عن تطوير أساليب الوقاية الالكترونية ووضع كل التقنيات الحديثة في موضع الشبهة والشك.
التصعيد الإسرائيلي- وفق بعض التقارير- جاء بضوء أخضر من الدولة العميقة الأميركية حصل عليه نتنياهو في زيارته الأخيرة لواشنطن، دون أن يكون الرئيس الأميركي على علم بذلك. نتنياهو يريد هذا التصعيد، من أجل الفصل بين الجبهات وشلّ كل الجبهات المناصرة لغزّة الصامدة منذ ما يقرب من العام، استعصت خلاله على التركيع من جانب القوات الأميركية. دخول الساحات اللبنانية والعراقية واليمنية على خط المؤازرة شغل جانباً كبيراً من الجهد العسكري الإسرائيلي مما خفف الضغط على غزّة، كما ساعد في زيادة الضغط على نتنياهو من خلال أكثر من ثمانين ألف مستوطن، جرى تهجيره من مستوطنات الشمال القريبة من الحدود مع لبنان، بفعل القصف الصاروخي شبه اليومي، الذي يقوم به حزب الله للمستوطنات. نصائح أميركية وصلت إلى نتنياهو بأن التصعيد وتوسيع رقعة الحرب لن يعيدا المهجرين إلى مستوطناتهم، فالحرب لن تتوقف والتصعيد قد يؤدي إلى تهجير المستوطنين في المناطق الأبعد، خصوصا اذا ما تبين أن لدى الحزب صواريخ بمديات بعيدة.  توسيع الحرب لن يبقيها محصورة بالجنوب اللبناني، بل سيحرّك باقي الساحات المتضامنة خصوصا تلك التي فيها سلاح ما يعرف بمحور المقاومة المتعدد الجنسية، وفي هذه الحالة سيكون على واشنطن، الداعمة للكيان على الدوام، أن تدخل مواجهة مع مجموعات مسلحة ترى الصدام مع الجانب الأميركي ترسيخا لهويتها. ولو توسعت الحرب فستكون الساحة العراقية متأثرة بشدة، أمنيا واقتصادياً، خصوصا إذا ما دخلت الولايات المتحدة على خط الدعم العلني لكيان الصهيوني. حتى الان يحرص الجانب اللبناني المقاوم على افشال محاولات نتنياهو جرّ الحزب إلى حرب واسعة، لكن خيار حزب الاستنزاف هو الأكثر احتمالاً وهو ما لا تقوى عليه إسرائيل التي جربت ذلك في لبنان منذ ١٩٨٢ وحتى العام ٢٠٠٠ عندما اضطرت إلى الانسحاب من الجنوب بعد خسائر فادحة في الأرواح.
وفق تحليل الاستراتيجيين فان هجمة البيجرات كانت معدة لتكون أكبر تأثيراً، وكان يراد منها شلّ الحزب وتغييب كوادره وقطع التواصل بينهم أثناء القيام باجتياح قد يكون خاطفا يستهدف إقامة حزام أمني يبعد النيران عن المستوطنات الشمالية، لكن استعجال التفجير جاء بعد توفر مؤشرات على قرب اكتشاف تفخيخ البيجرات ما دفع نتنياهو إلى استعجال تفجيرها.
حرب واسعة كما يريدها نتنياهو لن يكون فيها رابح سوى نتنياهو نفسه عبر إطالة أمد وجوده في السلطة، بدلا من ملاحقته قضائياً كما جرى التلويح بذلك مراراً.