د. حميد طارش
تعد تفجيرات أجهزة البيجر في لبنان انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، وهي جرائم حرب لا تقبل الشك، لمخالفتها مبادئ وقواعد القانون المذكور وكما مبيّنة في الآتي: إذ انفجرت تلك الاجهزة بشكل عشوائي دون تمييز بين المدنيين والمقاتلين، فهي انفجرت دون أية معرفة مسبقة للأشخاص المستهدفين والأمكنة التي يتواجدون فيها، لذلك قتلت مدنيين وأطفالا ونساء وحرقت منازل ومحال وسيارات مدنية وقتلت أشخاصا، وإن كانوا بالأصل مقاتلين، إلّا انهم غير منخرطين بأية أعمال عدائية، كما لا يوجد أي تناسب بين الخطورة الآنية المتوقعة من الأشخاص المستهدفين بالتفجير بغية إيقاف خطورتهم، واما الضرورة العسكرية التي تبيح بعض الاستخدام للسلاح، فهي غير متحققة تماماً كونها استهدفت أشخاصا لا يشكلون عائقاً لتنفيذ هدف عسكري، وذلك ما أيده فريق خبراء الأمم المتحدة المستقل والمفوض السامي لحقوق الإنسان، ومنظمة هيومن رايت ووتش وعدة دول
أخرى.
ومن الأدلة الأخرى على اعتبار ما حدث جريمة هو نفي جميع الدول والشركات المفترضة لصناعة تلك الأجهزة، بل وذهب البعض منها إلى الطعن بالتزوير لاستخدام علامتها التجارية، وذلك لحماية نفسها من المسؤولية الدولية، وأما الولايات المتحدة الأمريكية الشريك الداعم للكيان الصهيوني المتهم الرئيس بتلك الجريمة، فهي الأخرى نفت علمها بهذه العملية، وهذا ما دفع نائبان في الكونغرس إلى المطالبة بفتح تحقيق بشأن مشاركة الحكومة الأمريكية من عدمه في تلك العملية.
ويمكن تكييف تلك الجرائم، ايضاً، بأنها جرائم ضد الإنسانية كونها تأتي في إطار ممنهج وواسع النطاق، إذ استشهد (32) شخصاً، على الأقل، وجرح (3250) شخصاً، منهم من ذوي الإصابات الخطيرة، كما تشكل تلك الجرائم خرقاً للقانون الدولي لحقوق الانسان، إذ حرمت عدة اشخاص من حقهم في الحياة وسلامتهم الجسدية، وذلك وفقاً للتقارير الطبية المتضمنة إصابة عيونهم وأطرافهم، وقد أثارت تلك التفجيرات الرعب والخوف في صفوف الناس لتكون جريمة إرهابية دولية بامتياز.
اذن تلك الجرائم يترتب عليها تحقق المسؤولية الجنائية الفردية، التي تستدعي تقديم جميع الاشخاص المتورطين فيها إلى القضاء، وسواء كان محلياً أو دولياً بموجب الولاية القضائية العالمية لهذه الجرائم، كالمصنعين والموردين ومن أمروا بإصدار الأوامر والمنفذين لها وممن قاموا بأية اعمال أخرى تتعلق بوقوع تلك
الجريمة. لكن السؤال الأهم، كيف يمكن للدول حماية نفسها من تلك الهجمات مستقبلاً ؟، وكيف يمكن ان تضع التزامات دولية تمنع ذلك وتفرض عقوبات صارمة على من يهددون السلم المجتمعي عن بعد.