تجربة فاضل ثامر في مشغل كربلائي

ثقافة 2024/09/24
...

  صلاح السيلاوي

منذ مدة زمنيَّة ليستْ بالقليلة أسسَّ نخبة من قصاصي وروائيي كربلاء مشغلا سردياً ونقدياً يهتمُّ بمناقشة قضايا السرد والنقد والثقافة المرتبطة بهما، واتخذوا من أحد مقاهي كربلاء مقرّاً للقاءاتهم الأسبوعيَّة. وعملت المجموعة المتكونة من الأدباء عباس خلف، وعلي حسين عبيد، وإبراهيم سبتي، على مناقشة موضوع أو موضوعين في كل جلسة.
كان آخر موضوع لنقاشهم هو منجز الناقد فاضل ثامر وعلاقته بالسرد والثقافة بشكل عام، وقال القاص والروائي عباس خلف لـ "الصباح" إنَّ: جلسة المشغل السردي النقدي هذا الأسبوع تميّزت بخصوصيَّة استثنائيَّة عن سيرة الناقد الموسوعي فاضل ثامر ومنجزه وهي جزء من الوفاء لشخصية اجتماعية وأدبية ونقدية لا يختلف أحد على حضورها المتميز أينما وجد. ثامر الذي قال عنه الناقد الدكتور شجاع العاني: لا قيمة للنقد من دون فاضل ثامر.
وأشار خلف إلى أنَّ ثامر يستحق فعلاً هذا الوصف، لأنّه صورة زاخرة العطاء للمشهد النقدي العراقي والعربي الممتدة منذ أواخر الخمسينات وقد واكب بجدٍ ومثابرةٍ الحركة النقديَّة في العراق.
وأضاف خلف قائلاً: كتب ثامر عشرات الدراسات المهمّة أذكر منها - معالم جديدة في أدبنا المعاصر التاريخي والسردي في الرواية العربيَّة، المبنى الميتا سردي في الرواية، اللغة الثانية في إشكاليَّة المنهج والنظرية، والمصطلح في الخطاب النقدي العربي الحديث، المقموع والمسكوت عنه في السرد العربي، والصوت الآخر- وغيرها من الكتب التي تناولت الشأن الفكري والأدبي والثقافي والمعرفي".
ولفَتَ خلف إلى تناول المشغل السردي النقدي في هذه الجلسة مجموعة من التساؤلات بشأن منجز ثامر النقدي وإقامة حوار مثمر حولها ومن تلك التساؤلات ما يتعلق بالمصطلحات والمفاهيم التي يعدها خلفية ثقافيّة لا يمكن التغاضي عنها ومدى قراءته لإشكالات البنيويّة والدلاليّة، وهل كان يؤثر مفهوماً على آخر في أعماله النقديَّة أو أنَّه بالعكس يخوض في كل المفاهيم ضمن برتوكول الكتابة وحسب مقتضياتها وكيفيَّة تعامل ذائقته الفكريَّة والنقديَّة مع الاتجاهات الحداثيّة وما بعد الحداثيّة، لا سيما أن النقد الثقافي والسيميائي والتأويلي أخذ بعداً آخر في قراءة النصوص خصوصاً بعد ظهور موجة أدب ما بعد الكولونيالية.
وأوضح خلف أنَّ الجلسة افتتحت برأي لضيفها من محافظة ميسان الدكتور جبار ماجد البهادلي الذي أشاد بريادة فاضل ثامر النقدية، وقال: إن خبرته الواسعة جسّدت لنا موهبة نقدية ثرية المنجز والحضور فهو يمتلك لغة الآخر ويفهم في كيفية استيعاب تلك المفاهيم ويحاول أن يقربها ويبسطها للقارئ، ولذلك نجد أغلب دراساته النقدية التي تتضمن طبيعة المفهوم والمصطلح يتعامل معهما بحرفة فنيّة وفكريّة جديرٌ بنا أن نقف عندها، فأغلب المفاهيم التي نراها في الكراسات الأكاديميّة معقدة بينما في كتب فاضل ثامر وهذه حقيقة نفهمها كما لو أنها تفسّر نفسها وبعبارة أخرى أقول وبصراحة أن كتابات الناقد فاضل لم تكن عسيرة الهضم نستطيع أن نختصرها بالسهل الممتنع.
ذكر القاص ابراهيم سبتي أن الناقد فاضل ثامر عرَّاب لفن النقد، وأنه تمكن من تحويل النقد إلى مادة إبداعيّة مستساغة قريبة وممتعة من القارئ، لأنه ينفرد بذخيرة معرفيّة زاخرة بمعايير القيمة. بينما أثنى القاص علي حسين عبيد على محاور الجلسة وتطرق إلى الترجمة اي ترجمة رواية -الحديقة- لمارغريت دورا التي تعد من الأعمال المهمة التي ترجمت لجماعة الموجة الجديدة التي من ضمن أعضائها "آلان روب غرييه وكلود سيمون وآلان رينييه وناتالي ساروت"، معتبراً أن هذه الرواية القصيرة تخوض في غمار اللعبة النفسيَّة بين رجل وامرأة وهي تعد تحفة فنيَّة للأسف لم تتكرّر تجربة الترجمة للأدب العالمي التي أجاد فن صياغتها بأسلوب ثري المعالم. ثمَّ عاد خلف ليتحدث عن موضوعة الجلسة، فقال إنَّ: فاضل ثامر دؤوب ومثابر في  تبيئة المفهوم، ولنا في ذلك تحليلاته المنطقيَّة للملاذ الثقافي "الهابيتوس" عند عالم الاجتماع الفرنسي بيير بارديو وقراءة توظيف المفهوم على سلوك الفرد "الطبع والتطبّع" مفهوم مكعب السلطة عند ميشيل فوكو والتقمّص الجسدي وكذلك تحرياته لكتب مهمة مثل الكاتبة الإيطالية الكندية ليندا هوتشيون في كتابها سياسة ما بعد الحداثة التي شرحت فيه ظواهر الباروديا الذي فيه تعليل طمس الهوية، التعدد الثقافي وكتاب الزمان والسرد لبول ريكور الذي هو عبارة عن تأمّلات ريكور بالزمان "السرد- الهوية"، وفيه نرى انحيازه إلى علاقة التاريخ بالرواية ويفرّق بين التاريخ المحكوم بمركزيّة الخطاب وبين الممكن التخيلي الذي يمنح السرد قوة للمستقبل بوصفه مواجهة لقوة الزمان.
وأخيراً تحدّث أحد ضيوف الملتقى الشاعر الدكتور خالد الخفاجي بإيجاز عن شخصية فاضل ثامر، قائلاً: مهما قيل في شخصية هذا الإنسان الذي يشكل ذاكرة وطنيَّة لا يمكن التغاضي عن دوره الوطني والإنساني والاجتماعي على امتداد خمسة عقود مرت على العراق الجريح الذي مثّل فيه روح المثقف العضوي في كل المناسبات الوطنيّة العراقيّة. وفي الختام اتفق أعضاء المشغل السردي/ النقدي على تناول تجربة القاص والروائي ثامر معيوف. الأسبوع المقبل.