• علي حسن الفواز
كشفت أحداث تفجيرات أجهزة الاتصال "البيجر"، عن طبيعة العقل الإجرامي للعدوان الصهيوني، وعن معطيات ووقائع من الصعب التغافل عنها، حول تغيّر مسار الصراع في الشرق الأوسط، وتورط دول ومؤسسات وأجهزة مخابرات بهذه الأحداث، وعلى نحوٍ يجعل من إعادة النظر بالتدابير الأمنية، قرينًا بخيارات أسواق السلاح وشركاته التي تقود اقتصادات كبيرة وسياسات أكبر، وتأثير ذلك في تحويل مستويات الصراع الدولي إلى بؤرٍ أكثر خطورة، وأكثر عنفًا، وخلطا للأوراق الأمنية والتجارية والسياسية، فما حدث ليس بعيدا عن أجندات معينة، ولا عن براغماتية السياسة الأميركية في المنطقة، فضلا عن انعكاساته على تغيير قواعد الاشتباك، فهذا العدوان غير المسبوق يؤشر مدى الإجرام الذي يمارسه الصهاينة، والاندفاع إلى توريط المنطقة بحروب إلكترونية قد تجّرها إلى صراعات مفتوحة، وقد عدها المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك أنها "جريمة حرب تهدف إلى نشر الرعب بين المدنيين".
يُثير التوهم بهذه الحرب بادعاء التفوّق العسكري والتكنولوجي، وبسياسات الاحتواء، أسئلة كثيرة، حول فرض ممارسات عدوانية على المنافسات السياسية، وعلى ملفات الصراع في المنطقة، وتحت تحييد الدول الصديقة للصين وروسيا، فإصرار الولايات المتحدة على تلك السياسات يجعلها أكثر تغولا في دعم الكيان الصهيوني، وفي حمايته ورعاية سياساته العنصرية، وحروبه التقليدية والإلكترونية، وفي تحويل مفهوم التفوّق إلى استعراض للقوة، وإلى منع حدوث أي منافسة بين الأقطاب الدولية.
حرب "البيجر" مؤشر خطير، واستهانة بالأمن الدولي وبمحرماته الإنسانية والأمنية، وتغيير قصدي في مسار الصراعات، لأن تأثيرات هذه الحرب لا تقل شأنا عن خطورة أيّ حرب نووية مُحرمة بحسب القانون الدولي، ولأن الكيان الصهيوني بعيد عن الالتزام بمعايير هذا القانون، فإن جريمته النكراء بحق الشعب اللبناني، هي استمرار لحربه الملعونة على الشعب الفلسطيني في غزة ولبنان.
ما جرى من أحداث، ومن سياسات لها أقنعة الحرب، أطلق العنان للحديث عن خطورة تفاقم ثقافة الكراهية، وعن رهاب التناقض بين سياسات السيطرة، ومصالح الدول وشعوبها في السيادة وفي السلام والحرية، وهذا ما يجعل تلك الثقافة رهينة لصراعات داخلية وخارجية، بعضها يتعلّق بمسار الانتخابات الأمريكية، ومستقبل "نتن ياهو" في الكيان الصهيوني، وبعضها الآخر يدخل في حسابات تكريس هيمنة القطب الواحد عبر تغذية حرب العسكرة مع روسيا، وحرب التجارة مع الصين، وحروب الأقلمة مع إيران وسوريا والمقاومة، وهو ما يُعطي انطباعا بأن حرب "البيجر" ليست بعيدة عن تلك الحروب المفتوحة وسياسات الترويج بالتفوق الأيديولوجي والتكنولوجي والعنصري.