د. كريم شغيدل
1 ـ الهيئة الطباعية
لم تخرج الهيئة الطباعية عن العرف الطباعي التقليدي ولم تسجل دالاً يذكر.
2 ـ علامات الترقيم
اتخذت علامات الترقيم في هذه المجموعة نمطين: الأول وظيفي مرتبط بتقطيع الجمل الشعريَّة. والنمط الثاني توظيفي: أي أفرغ من وظيفته المجاورة للكتابة وتم توظيفه بصرياً لأداء دلالة داعمة للدلالات اللغوية، فالفوارز والنقاط وعلامات التعجب والاستفهام والأقواس والحواصر والشطبات جاءت على الأغلب في حدود استعمالاتها المتداولة، باستثناء النقاط التي جاءت بصورة أسطر لتحل محل جمل شعريَّة محتملة كما في المقاطع الآتية:
ص17: ترد نقاط ملحقة يستعيرها النص من الجاحظ للدلالة على وجود كلام متمم يفهم من سياق الجملة المختارة، أو يحيل المتلقي للمراجع إذا أراد تتمة الكلام. ص20: يرد سطران من النقاط يفصلان مقطعي القصيدة للدلالة على دورة الزمن والانتقال من الذكرى إلى المستقبل، من الحسي إلى المجرد، علاوة على أنهما يملآن مساحة التفاصيل المتوقعة التي توحي بها جملة "ألوح لامرأة الجار: ما أطيب الأرض" التي سبقت السطرين.
ص25: ترد النقاط بثلاثة أشكال كما في المقطع: "وسوف أغويك/ وقد تؤنسك الوحدة/ أو يصيبك الذعر إلى حين فلا تيأس... / ... فوقي يرتمي الستار/ يحجبني عن الوطن".
فقد جاءت النقاط داخل الحاصرتين تتمة لكلام الآخر الأنثى المحتملة، أو اللامتوقع المضمر خلف كلام الآخر، وجاءت سطراً مفرداً ليس مساحة للصمت المجرد، إنما هناك عملية إضمار لسرد المسكوت عنه توحي به دورة النص، ثم جاءت بداية السطر تمهيداً لخاتمة النص التي جاءت تقريرية مغايرة لطبيعة الانثيالات السابقة، كأن النقاط المستعملة هنا عوضت عمَّا يمكن أن يختزله النص من لغة مضادة تسوغ هذه الانتقالة السريعة بإحكام دائرية النص الذي يبدأ من مكان جزئي في الوطن "ساحة الأندلس" وينتهي في المنفى حيث ستار اللاعودة الذي يحجب الوطن كليا.
ص30: ترد النقاط في خاتمة المقطع الثالث من قصيدة "رباعية لوفيلد رود" للدلالة على بقية التفاصيل المحتملة في رؤية الشاعر، إذ يمكن للمتلقي أن يملأها بما يراه من خلال تماهيه مع رؤية الشاعر.
ص33: يختم الشاعر المقطع الأول من قصيدة قصيرة بعنوان "صحبة" بنقاط دالة على تتمة مشهدية، ويختم القصيدة المؤلفة من مقطعين على النحو الآتي: "وتصير زرقة الأشواق/ إلى رماد..".
ولهذه النقاط دلالة مشهدية لا يمكن إهمالها على ضوء مقارباتنا، فهناك تدرج لوني مثلاً من الزرقة إلى الرماد إلى لون تغمره النقاط المختومة بعلامة تعجب ربما يكون "الأسود" أو إنها تضمر طاقة انفعالية بعد مرحلة الرماد.
ص45: ترد النقاط في سطرين متتاليين، بداية السطر توحي بفعل مشهدي "............ يضطرب المكان" كأن النص أراد أن يحقق من خلال هذه النقاط مشهد الاضطراب النفسي قبل اضطراب المكان، أما السطر الثاني "بالضوء ثانية... فأرخي ساعدي والكأس" فقد جاء لتبرير الانتقال المشهدي بين التوتر الخارج واسترخاء الداخل "المكان ــ الجسد".
ص58: ثلاثة أسطر من النقاط تفصل بين القصيدة ومقطع الخاتمة، وهي أكبر العلامات المعنية حجماً وأوسعها للتأويل، فالعنوان المباشر للقصيدة "الشاعر والديكتاتور" يوهم بوقوع النص في التقريرية، أو الصراع البكائي أو القيمي الأيديولوجي أو الصراع بين الجمالي والقبحي، لكنه أي النص، استطاع أن يمر على هذه المدلولات، بأشد ما تكون عليه الكثافة الشعرية لرسم صورة موحية مشذبة من التفاصيل، قد تكوّن هذا النص من ثلاث حركات، الأولى تلج ذات الديكتاتور وتلامس صراع الأنا والآخر "الجلاد والضحية" من داخل التركيبة النفسية المضطربة للديكتاتور، والحركة الثانية تظهر رؤيا الذات الشعرية المتماهية في عزلتها في المنفى مع الذات الآخر، الشاعر الذي يعيش تحت وطأة الديكتاتورية داخل الوطن، أما الحركة الثالثة فهي رؤيا الشاعر المبتلى، والمعبر عنها بالأسطر الثلاثة المكونة من نقاط، كأنها القصيدة التي يفكر في كتابتها في/ غرفته الرطبة في "الميدان"/ عن الدكتاتور، فمن استبطان جوانية الدكتاتور إلى جوانية الأنا إلى جوانية الآخر، تعبر أسطر النقاط عن الخطاب المقموع أو المضمر في ذاكرة الشعر وأنا الشاعر داخل الوطن وخارجه.
ص62: وهي الصفحة الأخيرة من المجموعة، ويرد فيها سطران من نقاط يفصلان بين مقطعي قصيدة "شمس الأهوار" فالمقطع الأول كان رسماً للصورة الانفعالية للمكان، والثاني كان رسماً للصورة الانفعالية للإنسان، كأن السطرين جاءا بمثابة حركة مشهدية تحقق انسيابية الانتقال بين شظايا الصرخة، وفعل التأمل في "تتأمل آخر نجم تحت ردائك" كأنهما رسما تلاشي شظايا الصرخة للانتقال إلى التأمل، من الخارج إلى الداخل.
3 ــ بنية السَّواد والبياض
ونعني بالسّواد الكتل الطباعية، والبياض هو المساحات المتروكة بين تلك الكتل، على أن مساحات البياض المتروكة في أواخر النصوص لا تعد مؤشراً لكونها ظاهرة عامة تمليها طبيعة حجم النصوص وآليات الطباعة، كما لا يعتد بالبياض المتروك على الجانب الأيسر الذي أملته طبيعة توزيع الأسطر في الشعر الحر، والملاحظ في مجموعة "لا نرث الأرض" ثمة احتفاء خاص بالبياض لوجود مساحات تسع لعدد من الأسطر بين مقاطع النصوص، وهذه المساحات الصامتة بصرياً، إنما تدل على امتلاء نفسي يحتاج إلى فسحة للتأمل المتبادل بين النص وقارئه.
4 ــ التضعيف البصري
ونعني به طباعة مقاطع معينة داخل النصوص بحروف أكبر حجماً وأكثر سواداً، فإذا تأملنا النصوص بصرياً بين السّواد والأكثر سواداً والبياض لحصلنا على انطباع بصري ينطوي على إيقاع لوني، ولو لم تكن ثمة أهمية بصريَّة ذات انعكاس دلالي لإظهار بعض المقاطع بهذه الصورة لما حصل هذا التمايز أصلاً، فوظيفياً يكون فعل التضعيف البصري لإظهار الأهمية، ودلاليا هو نوع من التوكيد البصري الذي يلحقه توكيد لدلالة المقطع، كما لو أن القصد من وراء ذلك تضخيم الصوت أو إيجاد منبه بصري للتركيز على الحوارات التي تشكل مركز النص، كما في قصائد القسم الأول من المجموعة "حانة المفترق"، وقصيدة "كان الجاحظ" والمقاطع الثلاثة من قصيدة "رباعية لوفيلد رود". لإعلاء صوت الأنا الآخر، لكن هذه الظاهرة تلاشت في القسم الثاني على الرغم من وجود حواريات أساسية في قصيدة "الجندي المجهول"، وقصيدة "الراعي" المعنونة عنواناً ثانوياً "حوارية" ربما لأن الأول أقرب إلى الهمس أو المونولوج الذي يفترض محاوراً رمزياً لا يحاور، وربما لأن الثانية ليس فيها جملة خارج سياق المحاورة بين راعي الغنم وراعي أرواح الذين قتلوا في الحرب.