توظيف الموسيقى في الترانيم المسيحيَّة

ثقافة 2024/09/25
...

 بغداد: رشا عباس 

 تصوير: نهاد العزاوي 

 "  الموسيقى والدين " عنوان المحاضرة الثقافية والاجتماعية والروحية التي أقامها مركز "رجاء الثقافي" صباح السبت الماضي، في كنيسة سانت جورج الانكليكانية، بهدف التعريف بأهمية الموسيقى للديانة المسيحية، وتأثيرها في النفس البشرية وكيفية توظيفها في الصلوات كطقس روحي مشبع بالإيمان. 

الندوة أدارها هاني قسطو مدير المركز وحاضر فيها الاب امير كمو راعي كنيسة القلب الاقدس قائلا:" العمل الطقسي يكتسب صيغة أنبل، حينما يتم اداء الطقوس بطريقة احتفالية مرتلة مع حضور رجال الدين وبإشراك الشعب، فالموسيقى تلامس القلب على وفق ما ترافقه من كلمات أو تصورات، إذ إنها تعزز التجربة الدينية، على الرغم من أن بعض رجال الديانات المختلفة، يعدها بأنها 

تشتت الانتباه عن العباد، وهذا يعكس ما يراه بعضهم الآخر، من أنها تشد وتجذب إلى الصلاة وتعزز من الاحتياجات الروحية للنفس والجسد، من خلال ايصال المفاهيم التوعوية والارشادية لكثير من المراسم الدينية بطريقة أكثر متعة 

وجمالا".

واضاف الأب كمو: تتمتع الموسيقى بالقدرة على تعميق معنى الكلمات المصاحبة لها، سواء في السياق الديني أو الدنيوي، كما وصف القديس أوغسطينوس في كتابه "الاعترافات"، اذ يخبرنا عن تأثير الترانيم اثناء معموديته قائلا:" لقد تدفقت الدموع مني، عندما سمعت ترانيمكم وأناشيدكم لأن غناءكم العذب أثَّر فيَّ بعمق، اذ دخلت الموسيقى في أذني وتسرب الحق إلى قلبي وفاضت مشاعر 

الإخلاص".

فالموسيقى الدينية بغض النظر عن نصها، يمكن أن تؤثر في المشاعر الانسانية، فالنص يكتسب تأثيرا أكبر كلما ازدادت نسبة الموسيقى فيه، بحسب كمو، معرجا في كلامه إلى أن الكنيسة في بداياتها ورثت من محيط بيئتها الألحان والآلات الموسيقية، واستخدمت كلمات الكتب السماوية وأسفارها لصياغة تراتيلها الأولى، والتي كانت مكونا عضويا من مكونات طقوسها التعبدية، اذ نسج مسيحيو الكنائس الشرقية على منوال اجدادهم الأقدمين، فاتخذوا الأوزان الشعرية موقعة على آلات الطرب، واستعملوها في كنائسهم ومجالسهم، هكذا شاعت بينهم صناعة الألحان أو الموسيقى وذاعت في أنحاء بلادهم. 

وفي مداخلات فتحها مقدم الندوة اشارت أ.د. انتصار كاظم إلى أن الندوة اتسمت بالروعة والفائدة، اذ سلطت الضوء على نقاط جوهرية توضح علاقة الموسيقى بالدين وتاثيرها على البشرية، سواء كانت ديانات سماوية أو وضعية، فالموسيقى متلازمة معهم حسب شكل الديانات والمكان والبيئة، لافتة إلى وجود انواع من الموسيقى منها الصاخبة، التي تنتج عن بيئة متناثرة وأخرى هادئة روحية تلامس العقل، بينما هناك نوع من الألحان تبعث على الأحزان والمواجع، فضلا 

عن الموروثات الأخرى المكتسبة.

من جهته، أوضح المهندس الحقوقي محمود آل جمعة المياحي أن الموسيقى والدين موضوعان يندرجان ضمن تشريعات صدرت للديانات الثلاثة اليهودية والمسيحية والاسلامية، فاليهودية كانت مشروع وجودها بالتراتيل والتوراة، كان يقرأ في معابدها بشكل واضح، وعندما جاءت الرسالة المسيحية، هذبت تلك التراتيل، بحيث جعلتها منسجمة مع مبادئها وألغيَّ الكثير منها، لأن الدين المسيحي جاء على غرار الدين اليهودي، لكن الاسلام اتخذ موقفا ما من المعازف وابقى على الترتيل، مشيرا إلى ما ذهب اليه بعض المشرعين بتأثير الموسيقى 

على النفس، فحين يقرأ القارئ الحسيني مثلا مقتل الإمام الحسين "ع" يقرأه بشجن، ومأساة فيها نوع من التأثير والتاثر، مبينا لو فصلنا تلك الأمور لكانت قراءة عادية لا تلامس المشاعر ولا تأثر بالنفس، فالموسيقى استثارة لا نستطيع أن نقول إنها فقط تطريب أو غناء ولهو، لكن هناك جوانب ممكن أن نستفيد منها لراحة النفس واللقاء مع الآخر بشكل مريح 

وممتع.