سامر المشعل
من المآخذ على الاغنية العراقية، إنها تفتقر إلى التواصل الابداعي بين الاجيال، وليس هناك ثمة امتدادات طبيعية لمسار الأغنية العراقية تتسق وتتوازن في مسيرها بين الأجيال، بحيث تحافظ على هويتها العراقية وروحها في التعبير عن كل عصر. لذلك نجد أن الاغنية العراقية عبر مسيرتها التاريخية المعاصرة، تختلف من حقبة إلى أخرى، ولكل مرحلة ملامحها الخاصة ولها مبدعوها، ومن النادر أن نجد مبدعين يتألق عطاؤهم الابداعي في مرحلة معينة ويظل بالتوهج نفسه مع الأجيال اللاحقة، إنما يظهر جيل من المبدعين في فترة ما، ثم يخفت بريقهم وينحسر التعامل معهم من الجيل الجديد، كون هذا الفنان من الجيل القديم. لذا لا يتوافق مع مزاج وذوق المطرب الحالي. هذه الظاهرة أدت إلى حدوث فجوات وحلقات مفقودة في مسيرة الاغنية العراقية، وسببت معاناة حقيقية للكثير من الشعراء والملحنين والمطربين. واذا تتبعنا الاغنية البغدادية التي ظهرت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لها ملامحها وطابعها ونكهتها التي تختلف عن الاغنية السبعينية. وفي عقد الثمانينيات ظهرت أغنية الحرب، وهي أغنية تعبوية استغرقت سنوات هذه الحقبة برعاية النظام الذي وجد فيها تلميع لصورته وتوجهاته، بحيث انحسرت الاغنية العاطفية وراحت تبحث عن نوافذ للروح تطل منها، وسط طبول الحرب وهتافات المنشدين واهازيجهم ورائحة البارود، هذا جعل الكثير من مبدعي السبعينيات وفرسانها يتوقفون عن العطاء أو يغادرون الساحة الفنية إلى غير رجعة مثل الملحن كوكب حمزة، كمال السيد، عبد الحسين السماوي، سامي كمال، جعفر حسن، قحطان العطار، طالب غالي وحميد البصري.. واضطر بعض الملحنين إلى شبه التوقف مثل محمد جواد اموري ومحسن فرحان وآخرين.
ظهرت في عقد الثمانينيات مجموعة من الملحنين ابرزهم سرور ماجد، نامق أديب، علي سرحان، حسين البصري، ابراهيم السيد، مضر قاسم إضافة إلى تواصل الملحن كاظم فندي والملحن جعفر الخفاف الاكثر غزارة في تلحين الأغاني. في عقد التسعينيات ظهرت أغنية جديدة لها ملامحها التي لا تشبه المراحل والحقب الاخرى، وفي هذه المرحلة برزت ظاهرة ( الملحن المطرب)، أي أن المطرب يلحن أغانيه بنفسه مثل كاظم الساهر ومهند محسن ونمير عبد الحسين ورائد جورج وباسم العلي وقاسم ماجد وحسن بريسم.. وآخرين. ومع ذلك لمعت جملة من الملحنين منهم: ضياء الدين وصباح القريشي وعلي بدر وعلي صابر ونصرت البدر وآخرون. بعد التغيير السياسي بالعام 2003 ظهرت اغنية تختلف على سابقاتها في الحقب الأخرى ولا تمت لها بصلة.. هذا الاستعراض السريع عن عدم التواصل الابداعي بين الاجيال، بينما يفترض أن النشء الجديد يتأثر بعطاء من سبقه وياخذ منهم ويتواصل ابداعيا بما يتلاءم وطبيعة عصرهم.. وممكن أن نرى صورة التواصل الابداعي في الاغنية المصرية التي بدأت بسيد درويش ثم اخذت تتطور وتتسع ابداعيا وتتنوع على يد السنباطي وعبد الوهاب والاطرش والقصبجي، ثم وجدت امتدادتها الابداعية على يد الموجي وبليغ حمدي ومحمد سلطان وحلمي بكر وعمار الشريعي.. فازدهرت الأغنية المصرية وحافظت على هويتها وطابعها الشرقي لأكثر من نصف
قرن. اختلاف نمط وملامح كل حقبة تاريخية في الاغنية العراقية، يعود إلى عدة أسباب في مقدمتها الجانب السياسي، لعدم استقرار النظام السياسي واضطرابه ونزعته العدوانية، التي رمت بظلالها على طبيعة الاغنية
العراقية.