حسين رشيد
يذهب الأدباء وبوجه الخصوص الشعراء منهم إلى إصدار ما يسمى الأعمال الكاملة في حياتهم، وتذهب دور النشر إلى إصدار الأعمال الكاملة لبعض الشعراء ممن تصفهم “بالكبار”، مع الاعتراض على كل المسميات والألقاب التي تطلق على الشعراء، لأن صفة الشاعر في حد ذاتها من الصعب جدا نيلها، أما ما يكتب في الهويات النقابية، والتقديم في المهرجانات والملتقيات، فهذا شأن عام أو شيء ظاهري جاء في سياق أدبي .
ما بعد نيسان 2003 وانهيار منظومة الثقافة الزيتونية، كانت هناك فورة أدبية نقابية، ونشر متاح في عشرات الصحف والمواقع الإلكترونية، وحاول البعض تمرير فكرة أنه كان في المعارضة ولم يشارك في حفلات المديح للطاغية، ولم يكن ضمن جوقة المطبلين للنظام، عبر نشر بعض القصائد والتحايل على المحرر الثقافي، وإقناعه بأن هذه القصيدة كتبت في السنة كذا ورفضت من النشر في الصحف المعروفة حينها، وآخر أصدر مجموعة شعرية وقدمها صديقه الناقد، إذ اتفقا على أنها رفضت من الطبع في زمن النظام السابق لما فيها من قصائد “مشاكسة” للسلطة بحسب وصف الناقد .
مقابل ذلك كانت هناك عملية كشف وتنقيب في دهاليز الثقافة الزيتونية، ونشرت عشرات المقالات وعدد من الكتب حول تلك الحقبة الهجينة في التاريخ الثقافي والأدبي العراقي، بعمره القصير نسبيا، واتخذت العديد من الإجراءات بشأن من كان يطلق عليهم أدباء السلطة هؤلاء في الصف الأول، أو من يشرفون على النشر والكتابة، وأقصد هنا الكتب، يسبقهم في المقام الأعلى مُنظرو وحماة ثقافة النظام المباد والنقابيون من رؤساء وأمناء النقابات والاتحادات. في الصف الثاني يأتي العاملون في الصحف والمجلات، خاصة محرري الصفحات الثقافية، ثم الكتاب والأدباء ممن يبحثون عن وضع قدم في سلم السلطة، بعدهم عدد قليل جدا ممن أرغموا على الكتابة عبر سياسات أزلام النظام، أو ممن فرض عليهم الواقع المعيشي في تسعينيات الحصار الكتابة، وهذا ليس بتبرير بقدر ما هو توضيح، بينما يبقى الأدباء الذين لم يكتبوا وتحملوا الجوع والتهميش والإقصاء بل الاستهزاء في بعض الأحيان أقلية ..
في السنين الأخيرة أصدر أكثر من كتاب تحت ما يسمى “الأعمال الشعرية الكاملة” لكنها ناقصة، فلم تضم كل قصائد الشاعر، خاصة تلك التي تمدح وتمجد النظام المباد، وهنا محاولة تحريف وتزوير للتاريخ الثقافي، وغسيل لسيرة الشاعر الذاتية، وعلى المدى البعيد ستكون وثيقة ومصدرا للدراسات العليا، فضلا عن كونها وثيقة تزوير لتاريخ أدبي، ويعزو المشرفون على جمع وإصدار تلك الأعمال الشعرية إلى قانون هيئة المساءلة والعدالة التي تعد إعادة نشر تلك القصائد ضمن “الترويج للبعث المباد” وهي حجة استغلت بمهارة وحيلة .
قبل أيام وصلتني من أحد الأصدقاء صورة من كتاب (بلاط الشهداء) من محتويات دار الكتب والوثائق – المكتبة الوطنية، الذي يضم قصائد العديد من الشعراء الذين عرفوا بكتاباتهم للنظام المباد، وفي الفهرس كتب أسماء الشعراء وأرقام صفحات قصائدهم، وأحد الشعراء المعروفين سابقا وحاليا كان تسلسله الرابع وقصيدته ضمن الصفحات (25 – 31)، وتم تمزيق الصفحات (25، 26 ) التي فيها اسم الشاعر وعنوان قصيدته، السؤال: كم عملية مشابهة حصلت في الكتب والوثائق الرسمية؟.