أ.د عامر حسن فياض
يحتاج الحوار كيما يكون مجديا إلى فضاءات سياسية نقية ورحم مجتمعي متعافى، ليؤشر بجدارة، انه حوار مبني على الثقة المتبادلة ومنتهج العقلانية والتعقل وقائم على طرائق التحضر واساليب التمدن. والحوار العربي الكردي عبر مساره المتجذر قدما بعناق تاريخي ديني وثقافي أثمر بادرة طيبة في عنوانها.
تمثلت بتجربة الاتحادية الفيدرالية التي اعلنت وتدسترت بضمانات الدستور العراقي لعام 2005 فما هي البواعث للفيدرالية؟ وماهي المعوقات والمطبات في طريق نجاحها؟ وماهي شروط استمرارها ونضجها ومستقبلها؟. ان الحديث عن الفيدرالية في العراق هو حديث حاجة وضرورة، فهي لم تعلن وتتشكل بفعل رغبة مستعجلة او نزوة عابرة، بل اعلنت وتشكلت بدافع وبواعث موضوعية ضمن مسار وليس بفعل قرار. وهذه البواعث التي جعلت وتجعل منها حاجة وضرورة تمثلت اولاً بدافع موضوعي سلبي تمثل بالموروث المركزي التسلطي لأنظمة الحكم التي عانى منها العراق الحديث، فكان الدافع يتلخص بضرورة مغادرة هذا الموروث. والدافع الموضوعي الثاني كان ايجابيا حيث كان العراق وسيبقى بحاجة إلى اتحاد لكي يتوحد لأنه كان كيانا غير موحد بالمعنى السسيولوجي، ولا نتوهم خلاف ذلك لندعي بانه كان موحداً فاتحد لأن وحدته المزعومة، كان وحدة مفروضة وتعسفية وقسرية لا تقوم على أساس الاقرار بحقيقة التنوع المتعدد الضروب مجتمعيا وسياسيا. فالعراق عاش ولا يزال يعيش وسيبقى يعيش حقيقة التنوع القومي والديني والمذهبي والمجتمعات التي تتسم في هكذا مواصفات يفضل أن تدار وفق نظام اتحادي فيدرالي. ولكي تنجح الفيدرالية لا ينبغي ان تقوم بسبب هذه الدوافع فقط لان التجارب الناجحة في هذا المضمار بعضها نجح، وبعضها لم ينجح وإن عدم النجاح تقف خلفه أسباب ثلاثة. الأول أن دعاتها والمطالبين بها غير ديمقراطيين والثاني أن انظمتها السياسية، غير ديمقراطية بحق وحقيقة. والثالث أن مجتمعاتنا غير ديمقراطية. وكل هذه الاسباب قادت وتقود التجارب الفيدرالية إلى التقسيم والانفصال، وليس إلى الاتحاد المؤدي للتوحيد ضمن وحدة سياسية تقوم على التكامل والتكييف والاندماج والتماسك الوطني الفعال. عليه فإن التجربة الفيدرالية بوصفها مسارا ناجحا في الحكم لا تؤدي إلى نفسها اوتوماتيكيا، بل تحتاج إلى دسترة لضمانها وإلى قوننة لتنظيمها والى مأسسة لتمكينها واستمرارها ونضجها. وعليه فان المخارج من مطبات تجربتنا الفيدرالية ومعالجة مشكلاتها تقتضي اول ما تقتضي أن يكون الدعاة لها والمطالبون بها ديمقراطيين حقاً.. ثم على هؤلاء ان يتجنبوا تدويل خلافاتهم وقضايا الخلاف في التجربة الديمقراطية، لكي يستقوي كل طرف عراقي بالآخر العراقي، بدلاً من استقواء كل طرف منهم بآخر اجنبي.
ولا تستكمل تلك المعالجات دون الإسراع في سن قانون النفط والغاز وتسريع تشكيل مجلس الاتحاد والاهم ايضاً عدم التراجع عن المنجزات التشريعية ذات الصلة بالحقوق والحريات. والأهم ايضا ان تحتضن المؤسسات الفيدرالية وتعتمد اسطوات وبناة يجملون صفات رجال الدولة بمواصفات تجعل منهم رجال دولة تكميليين لا تصفيريين، يجيدون التسوية والحسم للخلافات لا ترحيلها ويدركون أن الفيدرالية هي جزء من منظومة ادارة تنوع شاملة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وليس مقتصرة على بعدها السياسي فقط.
ومن مواصفاتهم أن يتسلحوا بثقافة المواطنة بوصفها ولاء وليس انتماء فقط فينظر كل طرف منهم إلى القومية او الدين او المذهب من بوابة وطن هو العراق الديمقراطي الاتحادي، وليس النظر إلى العراق من ثقوب ونوافذ القوميات والاديان والمذاهب. فيبقى العراق كيان او كيانات ما قبل الدولة.