سامر أنور الشمالي
من الجميل أن تلتقي بالشعراء وهم يتحدثون عن الشعر ويتناولون ثيماته وأفكاره وتأثيرها، إذ لدى كل واحد منهم وجهة نظر ورأي مغاير، فالمشارب تختلف، وكذلك الاتجاهات، ولا شك في أن اللقاء الذي يجمع الشعراء من دول عربيَّة وأجيال عدة، يعكس طيفاً واسعاً من واقع الشعر العربي المعاصر.. وهو ما دفعنا لطرح بعض المحاور التي من الممكن أن تساعدنا في ايضاح حقيقة الواقع الشعري، لا سيما من وجهة نظر الشعراء أنفسهم، مثل الحاجة إلى الشعر وسماعه في زمن تكثر فيه الكوارث الطبيعيَّة والحروب البشريَّة؟، وعن تغير دور الشعر في عصرنا؟، والتوقعات بخصوص مستقبل الشعر في الأعوام القليلة المقبلة؟.
البداية كانت مع الشاعر الإماراتي الدكتور طلال الجنيبي الذي صدر له العديد من الدواوين الشعريَّة، وكان آخرها "كآخر من يعود"، حيث وجد أن الشعر يبقى الملاذ الأخير للإنسان حين تقسو عليه الحياة وتحاصره من كل الجهات، ويقول: نحتاج إلى قول الشعر وسماعه في هذا الزمن الذي تكثر فيه الكوارث الطبيعيَّة والحروب البشريَّة والصراعات والنزاعات، حيث تمثل مساحة الشعر منطقة الهدوء والأمان والاطمئنان.
الزمن المتسارع
ويرى الجنيبي أن الشعر لم يفقد دوره كما يدّعي البعض، بل أصبح أكثر أهمية للشاعر أو للإنسان العادي، ويوضح وجهة نظره قائلا، إنّ "الشعر اليوم أصبح أكثر أهمية في ظل هذا الزمن المتسارع الذي يتسمُّ بالمادية والقسوة والكثير من الظواهر التي ترفقها مساحاته وجمالياته التي يأتي بها الشعراء في وقت ممتلئ بكل ما يثير ويضغط على روح وأعصاب وفكر الإنسان".
ويعتقد الجنيبي أنَّ الشعر هو مساحة لنفكر في معاني الحياة أيضا، ويضيف أنَّ "اللجوء إلى الإعمال في التفكير والخوض في غمار الفكرة يعطي لنا وقتاً للتأمّل والتمعّن والرجوع إلى الذات والمراجعة الذاتيَّة حتى ننطلق من جديد ونعيد ترتيب أفكارنا ورؤانا من خلال منظومة جماليّة تسوّق لنا الفكرة بطريقة تستطيع أن تتغلغل إلى الروح وتتسلل إلى الذات برؤية وطريقة تحقق مبتغاها".
الحروب والكوارث
من جهته يقول الشاعر الجزائري رابح فلاح، ونال جوائز عدة في مجال الشعر، إنّ "الكوارث التي تحل بالبشريّة ليست جديدة، بل هي في دورة لا تنتهي على الأرض، بل قد تكون ملهمة للكثير من الشعراء لكتابة الشعر الجيد، ويتابع: لم تخلُ مرحلة في تاريخ البشريّة من حروب وكوارث، كما لم تخلُ من شعر وغناء وفرح وأمل، وأن الشعر يبقى ما بقيَ الإنسان ليمنحه الجمال وينبّهه إليه، بل ربما تكون تلك الحروب والكوارث هي مواضيع الشعر ذاته، فنجد فيها جماليات كثيرة، فالشعر لا يقنعك بصحة الفكرة إنما بجماليتها؛ لذا وجب على الشعر والجمال بشكل عام أن يكون مخففاً للآلام، ومؤنساً عند الكوارث". وداعياً للسلام عند الحروب والأزمات، وألا يكون ذلك إلا إذا تبنّى الشاعر قضايا السلام.
ويرى فلاح أنَّ مهمّة الشعر لا تغيّب مهمّة تتالت العصور، أو تغيّرت الظروف، ولكن يتغيّر دور الشعر تبعاً لظروف الحياة، وهذا شيء طبيعي، كما يضيف: "يمكن القول بأن دور الشعر تغيّر، لكن هذه هي طبيعته. هو يتغيّر حسب حاجة الإنسان، فحين كان العرب مثلاً في الجاهليَّة بحاجة لقنوات إعلاميَّة ظهر الشعر لينقل أخبارهم وأيامهم؛ لذا سمّي بديوان العرب. أما في العصر العباسي والأندية فكان في الغالب للمتعة، والبحث عن الجمال، في حين نكون في أزمنة كثيرة في حاجة ماسّة للشعر للتعبير والمقاومة والحياة فالشعر يستطيع أن يجعلنا نتذوّق الجمال، وننتصر له، ونسعى لاستمراره".
ويبدو أنّ فلاح متفائلاً بمستقبل الشعر العربي وبالشعراء الشباب الذي تتطور تجاربهم وتتجدد لا سيما بوجود مؤسسات داعمة وراعية: الشعريّة العربيّة الشابة الآن يجب أن تدرك أن المشاركة في مثل هذه الملتقيات سيسلّط الضوء أكثر على تجاربهم الإبداعيّة، كما أنّه يمنحهم دفعة قوية المضي قدماً في عالم شعري وأدبي كان يفتقد لمثل هذا التشجيع والدعم في مرحلةٍ ما، كما أنّه سيمكنهم من رؤية الواقع الشعري الحقيقي بعيداً عمّا تنقله "الميديا" بكلِّ وسائلها، فيسعه بذلك التواصل مع شعراء حقيقيين، وتجارب متنوعة من شأنها صقل موهبته وتطوير نصه.
تعاطي الجمال وإدمانه
ويعتقد الشاعر الشاب حسام الشيخ، وهو من سلطنة عمان، وحقق حضوره في الكثير من النشاطات والملتقيات الشعريَّة، وهو المتفائل بدور الشعر والشاعر، إن "كان الشعر ولا يزال سلاحنا في مواجهة قبح العالم المعاصر وشروره، وكلما وُلد شاعر زاد منسوب الجمال في العالم. وبالنتيجة تغير الظروف لا يُلغي حضور الشعر الذي لا يمكن إنكاره"، ويتابع الشاعر حديثه: مهما تغيّر الزمن، يبقى في داخل الإنسان ظمأٌ واشتياق إلى تعاطي الجمال وإدمانه، وليس كالشعر شيء يروي هذا العطش.
ويرى الشيخ أنَّ الشعر ليس بالجنس الأدبي المنعزل والمكتفي بذاته، بل هو متعايش مع فنون أخرى، ويوضح وجهة نظره، قائلاً: إذا كان للفن والغناء والموسيقى مستقبل في هذا العالم، فالشعر توأمها بلا شك، ولن يكون إنسان هذه الأرض إنسانا إلا بقدر جنوحه إلى تلك الفنون.