بعد خراب الفلسفة

الصفحة الاخيرة 2024/09/26
...

د. طه جزاع

يفهم الكثير من الناس الفلسفة بأنها مجرد كلمات جوفاء لا معنى لها، أو أنها مجرد تجريدات ذهنية، وفي أبعد تقدير هي ليست أكثر من تهويمات في عالم ما بعد الطبيعة، أو ما تسمى الميتافيزيقا التي توحي أن الفيلسوف يعيش في برج عاجي بعيداً عن الإنسان وهمومه ومخاوفه ومشكلاته اليومية. وهو فهم لا يقتصر على إنسان عصرنا الراهن، إنما يعود إلى بدايات الفلسفة الطبيعية في القرن السادس قبل الميلاد، حيث نشأت الفلسفة، ونشأ معها سوء فهم الفلسفة، إلى أن جاء سقراط فأنزلها من السماء إلى الأرض، وحول اهتمامها إلى الإنسان. ولم تعدم الفلسفة في كل زمان من منافحين عنها، يحاولون بكل الوسائل أن يقربوها للناس، ويشرحوا ما غمض منها، وما عسر على الفَهم والإدراك، على الرغم من أنها قد تخلت منذ زمن طويل عن صورها العقلية المجردة، ودخلت ميادين السياسة والأخلاق والتربية والاجتماع والاقتصاد وعلم النفس والجمال وأغلب العلوم والفنون والآداب التي لا بد أن تبقى محكومة بمنهج منطقي ورؤية فلسفية شاملة للحياة والإنسان.
آخر دفاع عن الفلسفة التي يسمونها أم العلوم، هو كتاب "الفلسفة ومشكلاتنا اليومية" الذي وصل متأخراً إلى معرض بغداد للكتاب بعد جولة له في عدد من معارض الكتب العربية، وفيه يحاول مؤلفه فوزي حامد الهيتي، أستاذ كرسي الفلسفة بالجامعة المستنصرية أن يقول بأن العلم وحده لا يغني عن الفلسفة لتحقيق حلم الإنسان في حياة أفضل وأعدل وأجمل، فمن دونها يغيب العقل والمنطق والتفكير السليم ويسود الخراب، ولا ينفع شيء بعد خراب الفلسفة كما أعلنها مدني صالح.