سناء الوادي
منذ أن انطلق طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر قبل عامٍ من الآن، لم نرَ سوى أنياب الذئب الإسرائيلي المتوحش تغرز في جسد قطاع غزة، كيف لا وقد قامت حركة المقاومة الفلسطينية حماس بكسر حاجز الردع للكيان تماماً، ودخول جبهات الإسناد اللبنانية واليمنية والعراقية خير دليلٍ على ذلك، حتى غدت تل أبيب تحت مرمى الصواريخ الفرط صوتية والمسيَّرات التي تدخل أجواءهم وتخرج منها على غفلة من منظومة القبة الحديدية التي تغنُّوا بمظلتها أعواما.
إلَّا أنَّ جبهة الإسناد من الواجهة الشمالية لفلسطين المحتلة بقيادة حزب الله كانت الأمرَّ والأقسى، وأذاقت سكان الشمال ويلات النزوح والهلع، وأُفرغَت المستوطنات من الإسرائيليين وتعالت الأصوات الضاغطة على رئيس حكومة الكيان المحتل بضرورة تأمين الحدود مع لبنان، وخلق منطقة عازلة تعيد لهم استقرار ما قبل الطوفان.
وعليه فإن نتنياهو سعى دائباً لفصل هذه الجبهة، إمَّا بإسكاتها أو تدميرها كلياً، فكان التصعيد تلو الآخر هو الوسيلة المثلى لذلك، بيدَ أن حزب الله لم يستجب لذلك ولم ينجرّ لساحة حرب إقليمية شاملة تشعل المنطقة، وبقي ملتزماً بخطوط الاشتباك خلا تلك الضربات التي تحمل في مضامينها رسالة تحذيرية هنا وإشارة هناك لمدى قوة الترسانة التي باتت في حوزته، وإنَّ سحب هذه الورقة من أيدي المجرم نتنياهو باستمرار زادت من وحشيته، حتى وصل به الأمر إلى فضح عملية استخباراتية سيبرانية إلكترونية للموساد تكشَّفت بتفجير أجهزة البيجر والاتصال اللاسلكية المتواجدة في لبنان، فضلاً عن إبراز عضلاته التجسسية باستهداف القادة من الصف الأول للحزب واغتيالهم والتباهي بتحقيق انتصارٍ قد فشل بتحقيقه في حربه على غزة، وفي واقع الأمر فإنه يحاول تدمير الحزب من الداخل باتباع ستراتيجية عسكرية قديمة تدعى ـ تفكيك الأضلاع ـ لكنه ما زال واهماً بعد كل الدروس التي مرَّ بها في صراعه مع حركات المقاومة، التي تعتنق الحرية والدفاع عن المقدسات ديناً ومذهباً وفكراً وآيديولوجية لا ترتبط بالأشخاص والقيادات، بل ترتبط وثيقاً بمنهجية راسخة في القلوب والعقول تتوارثها الأجيال المتعاقبة.
ومما سبق فإن عدم الانجرار للفخ الأمريكي الإسرائيلي، وضع قيادة الكيان المحتل في حالة هستيريا صبت جام غضبها على لبنان، من خلال القصف الوحشي على القرى الحدودية والغارات المستمرة على معاقل حزب الله في الضاحية الجنوبية، ناهيك عن حشد القوة 82 الإسرائيلية على الحدود الشمالية استعداداً لاجتياح بري، قد يلزم الحزب بالرضوخ إلى الرجوع لما خلف نهر الليطاني، وهذا فعلياً ما ظهر جلياً بالمبادرة التي طرحها الجانبان الأمريكي والفرنسي بعقد هدنة مؤقتة، قد تمتد لوقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، وذلك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة.
ومن ذلك فإن الانتصار الذي ينشده نتنياهو من حربه على لبنان إذا ما قام بالاجتياح البري، هو تحقيق معادلتين وجوديتين للكيان الإسرائيلي، هما معادلة الأمن ومعادلة الردع، الأولى لن تتحقق مطلقاً، إذ إن حزب الله لن يتخلى عن إسناد غزة مهما حصل، ليس فقط من أجل غزة، بل من أجل منع الكيان من التعدي على أرض لبنان، وتعهد بذلك الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير قبل استشهاده قائلاً: قد نعمّق من مشكلة النزوح لدى مستوطني الشمال بتعميق الاستهداف لمزيد من الأهداف داخل المناطق الشمالية، فقد كان النزوح إلى حيفا والآن بات النزوح من حيفا.
أما على المطلب الآخر، فإن معادلة الردع لن تتحقق من جديد بحسب اعتقادي، فقد تهشمت صورة الجيش الأخلاقي والحضاري الذي لم يُقهر سوى عن الوصول إلى أنفاق حماس والسيطرة فعلياً على الأرض في غزة، وما يندرج في إطار ذلك من تطاول المقاومة العراقية والحوثية على الداخل الإسرائيلي من جهة، وضرب القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة من جهة ثانية، واستهداف سفن الإمداد لحاملتي الطائرات روزفلت وآيزنهاور المتمركزتين في الشرق الأوسط دعماً لإسرائيل في الأسبوع الماضي.
أفقدَ حزب الله الكيان مرة أخرى السردية التي كان يريد البناء عليها لتبرير هجومه الدموي على لبنان، فهو رغم هجوم البيجر لم يصعد مع الكيان، وبقي ملتزماً بما بدأه منذ الثامن من أكتوبر، فهل ستأتي إسرائيل راجلة لتلقى حتفها في حرب استنزاف طويلة الأمد قد تمتد لسنوات، فهل ستصمد أمام حزب الله وحماس وأمام الرأي الداخلي الإسرائيلي الذي لا يقوى على النزوح والعيش في الملاجئ كل تلك المدة، أم أن كل ذلك ـ شو إعلامي ـ يمهد للرئيس القادم إلى سدة البيت الأبيض لحسم النزاع في مصلحتهم. كاتبة وإعلامية سورية