التفاوض بالنار
محمد شريف أبو ميسم
حين وقف "بنيامين نتنياهو" على منصة الخطابة في مقر الأمم المتحدة نهاية الاسبوع الماضي، بعد أن انسحبت العديد من وفود الدول المشاركة من قاعة المؤتمرات، حاول أن يقدم نفسه بوصفه زعيم كيان يتوق للسلام قائلا "جئت إلى هنا لتوضيح الحقائق، والحقائق تقول إن إسرائيل تتوق إلى السلام وتصنع السلام من جديد"، ولم تمض الا ساعة حتى تعرضت الضاحية الجنوبية في بيروت الى اعتداء استهدف زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله بصواريخ وقنابل، فخلفت دمارا هائلا في الضاحية الجنوبية لبيروت، ثم ألحقتها سلسلة من الاعتداءات على المناطق المدنية ودعوات لإجبار السكان على مغادرة منازلهم.
وفي ذلك الوقت كان مكتب هذا النتنياهو في "تل أبيب" يتحدث عن موافقة مبدئية بشأن هدنة الواحد وعشرون يوما، التي اقترحتها فرنسا والولايات المتحدة، ما يؤكد من جديد أن ما جاء في كلمته، التي ألقاها في مقر الأمم المتحدة، ما هو إلا تعمية كلامية على الجرائم التي يرتكبها جيشه، ومحاولة لتقديم كيانه، بوصفه كيانا محبا للسلام، وإن ما يقوم به محض وسائل مشروعة للدفاع عن النفس.
من هنا تتوضح الحقائق التي لم تكن واضحة لدى البعض، الذي اعتاد أن يدعوا للتطبيع، معتقدا أن السلام يمكن أن يتحقق مع مثل هؤلاء، الذين لا يتوانون عن فعل أي شيء من أجل تحقيق الشعار الصهيوني " من الماء إلى الماء تترامى أطراف الدولة اليهودية الكبرى".
الأغرب من ذلك أن يتحدث الداعون للتطبيع عن التعايش والسلام مع من يغتصب الأرض ويقتل المدنيين، في ظل شعارات توراتية على يافطات ليبرالية، حيث يوظف النص الديني الذي يبشّر دوما بأرض الميعاد، وحق العودة الى هذه الأرض وإبادة سكانها، رغم التعارض الصارخ بين الصهيونية بوصفها حركة علمانية والتوراة بوصفها نصا دينيا، اذ يقول الرب في سفر التثنية:"حين تقترب من مدينة استدعها للصلح، فإن إجابتك فكل الشعب الموجود يستعبد لك، وإن لم تسالمك فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة فتغنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب".
وتوظيف العديد من النصوص التوراتية بات وسيلة لامتطاء هذه الارض، بل للسيطرة على هذا العالم وتكريس مشروع قيادته، عبر حكم الأسر، التي تتصدر طائفة الواحد بالمئة وفي مقدمتها عائلة "روتشيلد اليهودية المتطرفة"، التي تسيطر على أكثر من نصف ثروات هذا الكوكب، والتي كانت وراء وعد بلفور، وما زالت وراء وجود هذا الكيان المدلل.