الشرق الأوسط وجريمة الاغتيال
أضحت خارطة "الشرق الأوسط" أمام معطيات جديدة، وأمام تحديات قد تذهب بالصراع إلى المجهول، فجريمة اغتيال السيد حسن نصر الله، كشفت عن أن جرائم الصهاينة "مفتوحة الحساب" وأن توسيع مساحة العدوان، ستقوم على خلط الأوراق، وعلى دفع الجميع إلى التورط في اصطفافات للرعب...
الاندفاع الصهيوني إلى هذه الجريمة، يعني فتح جبهة الجنوب اللبناني بالكامل، التنسيق مع الولايات المتحدة على تمرير أجندة إحياء البحث عن خارطة أخرى لـ"الشرق الأوسط" واستعادة ما طرحته وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق كونداليزا رايس حول مفهوم "الشرق الأوسط الجديد" الذي يعني التشظي، وصناعة البؤر المأزومة، والمحكومة بنظام تجاري سياسي وايديولوجي يتحكم الكيان الصهيوني بسياساته، وبطرق مواصلاته..
التحذير من تفاقم الأمور والانجرار إلى حرب شاملة، لا سيما بعد جريمة الاغتيال، يفتح الأبواب أمام مغامرات جديدة، وأمام صراعات يختلط فيها الأمني بالسياسي والايديولوجي والاقتصادي، وعلى نحوٍ يجعل من العدوان جزءاً من الرهان "الصهيوني" على السيطرة، وعلى فرض سياسات تقوم على منع الآخرين من صناعة القوة المضادة، وبالتالي وضع الشرق الأوسط بوصفه مصطلحاً في الانثربولوجيا الغربية أمام صياغة جيوسياسية تهدف إلى إعادة أدلجة الشرق الأوسط عبر التورط في مزيد من المشاريع المشبوهة..
صناعة سياسة الهاوية هو الرهان الصهيوني، وباتجاه فرض ذلك عبر نظرية القوة، وتصعيد دينامية الصراع، ليبدو وكأنه نوع من اندفاع مجنون للبحث عن توازن جديد، وعن ربط استقرار الشرق الأوسط ونموه واستقراره بالسيطرة، وبقطع الطريق على أي مقاومة لمواجهة الكيان من الغلو في حروبه الشيطانية، وهذا ما يجعل "المجتمع الدولي" أمام تحدٍ كبير، فحلول الأزمات لا تحدث بـ"التراضي" ولا بالقبول باستمرار الجرائم العنصرية والقتل الممنهج للمدنيين، وتهديد السلم الأهلي للشعوب وحقها في الاستقرار والسيادة والاستقلال، بل بإدراك المسؤوليات الجامعة، وإلى أن الدخول في حرب شاملة سيضرُّ الغرب بشكل كبير، وسيكون مسؤولاً عن زيادة منسوب العنف، وعن إحداث المزيد من الأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية، فضلاً عن تأثيره في إمكانية الدخول في نزاع إقليمي كبير من الصعب السيطرة على مساراته..
هذه الجريمة الغادرة، لا تنفصل عن الغلو في قتل الشعبين الفلسطيني واللبناني، وتعرية من يقف وراءها، من دول وشركات عابرة للقارات ومن مؤسسات مخابراتية، حيث تكون سياسة اغتيال رموز المقاومة، والإفراط في جرائم الحرب أهدافاً تتوجه نحو جعل "الشرق الأوسط" أشبه بمزرعة الغام تتفجر أمام أي خطوة حقيقية للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية، ولمنع الصهاينة من تهديد خيارات الشعب اللبناني بالسيادة والمقاومة.