محمد شريف أبو ميسم
تتزامن عمليَّة التحوّل الرقمي في القطاع المصرفي العراقي التي تسير وفق وتيرة متسارعة، مع ظهور ما يسمَّى بالمصارف الرقميَّة التي تُعدّ تجربة جديدة على العالم بأسره، ومن المفرح أن تشير عمليات التحول في البنية التحتية الخاصة بآليات التبادلات والتداولات الرقمية إلى أهلية وإمكانية العمل بهذا النمط من الأداء المصرفي، بعد أن تلقى البنك المركزي العراقي نحو (60) إلى (70) طلباً للعمل بالمصارف الرقمية بحسب تصريح لمحافظ البنك المركزي.
ويعرف المصرف الرقمي بأنه مصرف بدون فروع وليس له وجود مكاني، إذ يقدم خدماته المصرفية عن بعد، عبر تنفيذ العمليات مع زبائنه باستخدام منصات الإنترنت وتطبيقات الهاتف أو الأجهزة اللوحية وغيرها من القنوات الإلكترونية القائمة على حلول التقنيات الحديثة، ما يعني أنه لا يمارس العمليات المصرفية التي تعتمد المستندات الورقية مثل الشيكات وقيود الدفع والحوالات المصرفية وسواها.
وما يميز هذا النوع من الخدمات المصرفية عن التعامل بالعملات المشفرة أو ما يسمّى بالعملات الرقمية، هو أنَّ الأخيرة غير مرخّص بها التداول في العراق باعتبارها عملات لم تصدر عن بنوك مركزية عالمية وليس لها وجود فيزيائي، ما يعني أنَّ التعامل بها خاضع لهيمنة من يحتكر علوم تكنولوجيا المعلومات ويستطيع إصدار المزيد منها دون إشراف من أي بنك مركزي، بينما ستتداول المصارف الرقمية النقد الصادر عن البنك المركزي العراقي والعملات الصادرة عن البنوك المركزية العالمية.
وثمّة مفصل مهم في هذه الجزئية، إذ إنَّ التطور الكبير في تكنولوجيا المعلومات سيدفع باستمرار عجلة التحول الرقمي في التبادلات والتعاملات المالية ما سيرجِّح إمكانية قبول العملات المشفرة في سياقات التبادلات الرقمية عاجلاً أم آجلاً، كما هو الآن في العديد من دول العالم ودول الشرق الأوسط، وبالتالي لابد من مواكبة التحولات السريعة في علوم اقتصاد المعرفة (تكنولوجيا المعلومات، هندسة الاتصالات، علوم النانو وسواها) عبر تأسيس جامعات متخصصة بهذه العلوم وعلاقتها باختصاصات العلوم المصرفية والمالية، وإن لم تستطع الحكومة دعم وجود مثل هذه الكيانات البحثية والعلمية، فالأولى أن يتولى البنك المركزي العراقي هذا الدعم، بما لديه من إمكانيات مالية عملاقة، ولما لهذه الكيانات من أهمية مباشرة في وظائف المركزي الخاصة بإدارة شؤون السياسة النقدية التي ستؤول شيئاً فشيئاً إلى سياسة رقمية ذات صلة بوجود مجتمع معرفي تحركه المؤسسات العلمية وتقوده الرساميل، وبخلافه فإنَّ المستقبل لمن يملك الهيمنة على شبكات الإنترنت ويجيد توظيف الأموال.