ياسين طه حافظ
بسبب من تشعبات هذا الموضوع وعلاقاته أو صلاته التي لا تنفصل عن موضوعات أخرى، كالمرحلة الحضارية وطبيعة المجتمع وموروثاته، وأنه صار محكوماً بمعتقد ديني مهيمن، وواجب الطاعة له، بسبب من أمور كهذه وسواها، كنت وما أزال، أتحاشى التدخل المباشر في تفاصيله، وأحاول الحديث عنه بالإشارة المهذبة والحذرة من بُعد.
نحن نعلم حال المرأة في العصر الجاهلي و(مكانتها) والتزاماتها وما (تتمتع) به من بعض الحقوق أو من مدى الحريّة. لكن العصر الجاهلي لم يكن جاهليّاً في كل شيء. كانت هنالك أديان ومعتقدات. الوثنيّة، واليهوديّة والمسيحيّة وشيء من الصابئيَّة ومن الزرادشتية ومن البوذيَّة.
لكن هذه كلها لم تقف بوجه الأعراف الاجتماعيّة السائدة والقوية، ولم تُضعف من تزمّت الفحوليَّة او الذكوريَّة، ومسألة "الوأد" الشنيعة كافية لأن تنسف كل الحجج والادعاءات باحترام المرأة وإعلاء شأنها. ما يرد في شعر الغزل، هذه اشتهاءات جسد وتصورات راغبين وتلذذ بمرأى لا بمعنى. ولذلك، لا أرى ما في الشعر حججاً يمكن اعتمادها أو الردّ المقنع بها. كما ان وجود نساء ذوات مكانة ومواقف، هو تشدّق أو تفاخر بأمثلة نادرة لا بشأن سائد. وخير ما في هذا أنّه يُظهر المتقوّلين بأنّهم مع وجود أفضل لها ويرون في الأمثلة شهادة ولاء أو تحبيذ.
لكن الحال في اليهوديَّة ليس أفضل كثيراً وهي دين قديم وبكتاب سماوي ونصوص وأبواب. "المرأة في اليهوديَّة لا تدرس التوراة، لا تصلي في الكنيس وحتى لا تجمع الحليب واللحم في الطبخ. فالحليب أنثوي واللحم ذكري وجمعهما يعني وضعهما في منزلة واحدة!، وعبارة "النساء مباركات، قول مقبول ولكنه ليس عزاءً كافياً ولا بديلاً لذلك النظر القاسي والمتعالي. كما ان النساء لم يكنَّ مطالبات بروحانيَّة "الأحبار"، ومن ثمَّ غير مسموح لهنَّ بأن يكن أحباراً.. هو دين بطريركي مثل بقية الايدولوجيات في تلك الفترة. لكنّهم ألقوا عليها مهمة الحفاظ على الطهارة الطقسيَّة في المنزليَّة.
هي عموماً في عالم منفصل عن عالم الرجال. وان الرجال أُمِروا بشكر الله في صلاة الصبح لأنّه أولاً خلقهم يهوداً وثانياً لأنه لم يخلقهم عبيداً أو نساءً!، نحن نعلم بالتزامات الرجل والمرأة قبل الطقس الديني، وضرورة أن يتطهّرا من أثر الجنس او الجنس نفسه!، وسيتطوّر هذا الى تضاد بين الله والجنس في المسيحيَّة حتى تحريمه أحياناً ولزوم الابتعاد عنه تماماً، اذا شاء أحدهما الوصول الى الله او الى الرب. من هذا نلاحظ ان الاسلام تقدم مرحلة في هذا الصدد وكان أكثر عقلانيّة وواقعيّة وان ظل للذكر مثل حظ الانثيين.. ولكل حكم أوجهُ فهمهِ وتقديره. نحن نحكم بما نرى ونفهم. التطهّر قبل أداء الطقس الديني، موجود في الاسلام أيضاً وفي ديانات بعيدة أخرى. هو نظافة في أفضل تفسير وتخلص من إفرازات الجسد كما يقول الطب.. ولكنّنا رغم كل شيء نتطهّر منه، أي الجنس! والغريب أن الأحبار ورجال أديان اخرى يعلنون ان الله لا يريد تعذيب الجسد او اهانته، بل احترامه وحمايته لانه كما يقولون، كان عبر صورة إله! هذه المعلومات وسواها وتفاصيلها تتوافر في كتب الاديان او كتب الشرائع ولها مفسّروها واصحاب الفلسفة والرأي بمفاهيمها ودلالاتهما. ونحن في ذكرها لا نأتي بجديد، ربما اختزلناها وسببنا ضرراً في التعبير القاصر عنها.
لكنني أردت أن أصل الى مسألة او الى صيغة توحِّد النافع في جميع ما ورد وما لم يرد ذكرهُ في كتب العقائد لا سيما الكتب المقدسة. أقول: بعد هذا هل عجز العقل البشري ويعجز ان: حاولَ، ان يجد تفاهمات ترضي الله وترضي خلاف الناس، بما هو عقلاني وترضاه الحضارة والتطلعات الجديدة؟، وهل يكفي ان نرى في الحركة الانثويَّة الجديدة ما لا يرضينا، فتقف ضد تماديها في الطلبات حتى أننا نرى في بعض ما تريد فساداً او دماراً لنظام اخلاقي تعبت البشريّة حتى حققته؟، لكن هذه الحركات الفكريّة والاجتماعيّة في العالم، لو لم يحتجْ لها العصر لما أوجدها او لما انبثقت منه. أصل المشكلة ان الحيوانات لا تجد صعوبة في العيش على وفق طبيعتها. لكن البشر عقلاني ويريد تنظيم طبيعته وبعض الانفلاتات او التمرّدات او بعض مطالب الحركات، يمكن ان تقع ضمن باب الانقلابات (او التحرير) والرغبة في العيش على وفق الطبيعة. الدراسات الاخلاقية تحاول برمجة تلك الافكار والحركات. ومنحها احتراماً وتهذيباً. لكننا من ناحية أخرى نزيد من جور القوانين القديمة، وبدلاً من تطويعها لإرضاء الناس فيرتضونها طوعاً، نضيف عليها ما تحررنا جزئياً منه. لستُ مع أولاء او اولئك، اريد الان ان أجبر نفسي على المحايدة ولكننا الى اي غاية نسعى؟، الجواب لإرضاء الناس، لمنحهم ما يحتاجون له، وايضاً ما يجعل حياتهم المدنيَّة الحديثة أفضل، ترضيهم وترضي الله. حسناً فليكن هذا المبدأ صلباً ولنعمل بما يجعله طريق عملٍ سليم، فلا عَنَت بعد ولا خلاف، وليتحرر الإنسان امرأةً او رجلاً مما لم يعد يرضيه. وهو مطلب لا نستطيع ان نحرم أحداً منه، والله يحب من أحسن عملا!