عبد الهادي مهودر
لسلاح المقاتل في الحرب اِتجاه واحد نحو العدو المبين، لكن وسائل الإعلام التي تغطي أحداث الحرب تطلق صواريخها في جميع الاتجاهات، وتستهدف العدو والصديق والمواطن العزيز، وبعض من صواريخها يرتد عليها ويكاد ينفجر داخل الاستوديو بوجه مذيعة النشرة ومقدم البرامج الحوارية المتحمس أكثر من شعراء الفخر والحماسة، ولكن الحروب مهما طالت فستنته يوما ما وستشرّح تغطيات وسائل الإعلام تشريحاً في أكاديميات الصحافة والإعلام عندما تنتقل إلى الدارسين والباحثين وتوضع تحت مجهر تحليل المضمون الذي لايظلم عنده خبر، وستحاسب داخل قاعات المناقشة والأطاريح والرسائل الجامعية، وليس مثلما سيحاسبنا الله جميعاً على مايحصل من تدمير وجرائم، كما قال أمين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، بكلمته للتاريخ حين برأ ذمته قبل أن يطلب منه مغادرة نيويورك واِبراء ذمته الوظيفية، والإنسان كلمة مثلما الإعلام كلمة، والكلمات نور وبعض الكلمات قبور، فأين نذهب لنعرف الحقيقة وأي قناة لا تلوّن لك الأخبار بألوانها المفضلة ولاتدسّ لك السُّمّ بالخبر، وقد هربت قبل أيام من عاجل لقناة عربيّة مفاده أن العدو بخير والحمد لله وعشرات الصواريخ لم تقتل سوى مواطن عربي واحد في جميع قواطع العمليات، هربت منها إلى قناة أجنبية ناطقة بالعربية وبحمد الله لم أجد ولا مواطن عربي قتيل جراء تلك الصواريخ، وتركت القناتين لأتابع شخصيَّة عربيَّة مشغولة بالحفاظ على سلامة اللغة العربيّة، وقد تفتقت قريحته العلميّة باِستبدال الريموت كونترول بالمحكام أي المتحكّم، وكأنه رمى لي حبل النجاة لاستخدم اكتشافه المذهل في حكمة إعلامية في هذا المقال، فلولا المحكام لبارت القنوات، ولبكينا بدل الدموع دماً على المواطن العربي المنحوس الذي قتلته صواريخ العدو وهي في طريقها إلى العدو بينما كنا نتفرّج على دوامة القتل منذ سنة بالضبط ومنذ 75 سنة، حتى اِكتشفنا أننا كنا السبب وكان علينا ضبط النفس لثلاثة أرباع قرن أخرى.