نلاحق الآخرين، نقتنص هفواتهم، ونسترق السمع لأحاديثهم، ونتلصص على خباياهم، ونستغيبهم بأحاديث وسير وأكاذيب. تلك حال البعض من الناس، ممن يتطفلون على المحيطين بهم، منتهكين حرماتهم وحرياتهم الشخصية، منطلقين من رغبة في إخفاء أخطائهم الشخصية، وإظهار أنفسهم بمظهر الأفضل والأكثر استقامة
وصواباً.
احترام خصوصية الآخرين قضية فائقة الأهمية، لأنها تعد بروتوكولا حياتيا واجب التقديس ذلك لأن أي سلوك حسن نقوم به في الحياة يفترض أن نلاقي مثله من الآخر. إن قيام البعض بحشر “أنفه” في ما لا يخصه ،هو شخص يتسبب بأزمات ومشكلات لا سيما للأشخاص ذوي الشخصية الحساسة والخجولة، ما يدفعهم للتقوقع، وفقدان الثقة بأنفسهم والخوف والارتباك من أي عمل أو قول قد يصدر عنهم.
إنَّ التدخل في شؤون الآخرين، وانتهاك حريتهم الشخصية، واقتحام كينونتهم الخاصة من دون استئذان، من أسوأ ما يمكن أن يتصف به الإنسان، ويدل على سوء تربية وقلة وعي وإدراك
، ويدل على فراغ مشين، وكل شخص يحاول من دون دعوة أو طلب، إبداء الرأي أو تقديم النصيحة، إنما يعكس عن محاولة لتفريغ مشاكله وأزماته النفسية في وعاء الغير.
احترام الخصوصية تصرف دائم ومستمر، ولا يرتبط بمدى عمق العلاقات بين البشر، ولا بمداها الزمني، فهو فعل لا يسقطه التقادم بمرور الزمن، فمهما كانت علاقتك مع أصدقائك عميقة وقوية ومتينة، لابدّ أن يبقى لكل منكم حيز من الحرية الشخصية لا داعي للدخول فيه من دون رغبة من الآخر، فلكل منا شيء من الفردية التي لا نرغب في اطلاع الغير عليها، وبمقدار ما نحترمها نوثق علاقاتنا ونقويها ونزيد جرعة الثقة المتبادلة، والشعور بالراحة والأمان في
تعاملاتنا.
الخصوصية هي حق الشخص بحدود معينة من الحرية والاستقلالية، تمكنه من الاحتفاظ لنفسه بأشيائه الخاصة، ويمكننا أن نحترمها بتصرفات وأمور بسيطة، لا تكلفنا الوقت والجهد، بمقدار ما تمنح الآخر الراحة بدلاً من إحراجه وإرباكه.
إن أولئك الذين يلاحقون تصرفات المحيطين بهم، لاشكّ أنهم يعانون هم أنفسهم من نقص في حياتهم، وفراغ يدفعهم إلى الاحتجاب خلف ما يصدر عن الآخرين من هفوات، ولأن حياتنا ليست معرضاً فنياً فلا يحق لأحد إبداء الرأي فيه وتقييمه من دون إذن، ولابدّ من وضع حدّ لأولئك المتطفلين المتسلقين، ومنعهم من إفساد
حياتنا.