لم يصدّق أحمد عينيه حينما رأى العنوان الرئيس. كان اليوم هو 17 كانون الأول، ونشرت “مدى مصر”، الصحيفة الرقمية المصرية المستقلة، تحقيقا يروي تفاصيل كيفية شراء واجهة للمخابرات المصرية هي سبع من أبرز قنوات الإعلام الأكثر حضورا في البلاد.
“عرفت بذلك أنني لن أثق مطلقا بعد الآن بوسائل الإعلام السائدة،” يقول أحمد، 23 عاما، الناشط القديم الذي طلب حجب اسمه الكامل خشية تعرّضه للانتقام، مضيفا: “منذ ذلك الحين صعودا، صار الفيسبوك المكان الوحيد الذي أستطيع من خلاله استحصال الأخبار العاجلة، لكنني أيضا أتابع مدى مصر.”
أحمد لا يعد الوحيد الذي يتحوّل الى الفيسبوك سعيا وراء الأخبار ويترك وسائل الإعلام العربية السائدة، فثمانين بالمئة من الشباب العربي يقولون باستحصالهم الأخبار من شبكات وسائط التواصل الاجتماعي، صعودا من 25 بالمئة قبل خمس سنوات، وأن أكثر من ستين بالمئة من شباب منطقة الشرق الأوسط يشيرون الى وثوقهم بقنوات التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار، بإرتفاع وصل الى 53 بالمئة من سنة 2014.
أرقام ومقارنات
هذه المعلومات مستقاة من “استبيان الشباب العربي”، وهو جمع لآراء 3300 فرد بأعمار تراوحت بين 18 و24 سنة عبر الشرق الأوسط، وكانت المستويات التي ذكرت عن عدم الثقة بالإعلام التقليدي ثلاثين بالمئة أكثر من التواصل الاجتماعي. حاليا، ولأول مرة في هذا المسح، أورد الشباب العربي معلومات عن ثقتهم بالتواصل الاجتماعي أكثر من الأخبار التقليدية.
وبالمقارنة ومن خلال استبيان إجري في وقت مسبق من هذا العام من قبل منظمة يوغوف ومشروع كمبردج للعولمة، وجد أن 12 بالمئة فقط من البريطانيين و23 بالمئة من الأميركيين يثقون بالأخبار التي يجدونها منشورة على التواصل الاجتماعي. وتوصّل “تقرير رويترز للأخبار الرقمية” السنة الماضية الى انحدار في استخدام التواصل الاجتماعي للأخبار داخل الولايات المتحدة وبريطانيا
وفرنسا.
لكن التزايد البسيط في الشرق الأوسط ربما يشير الى أن الشباب لديهم خيبة أمل بالصحافة التي يرون أنها مسيطر عليها بشكل كبير من قبل القادة الحكوميين. ومن الدول التي شملها استبيان الشباب العربي، لم تسجل أي واحدة منها تصنيفا عاليا في مؤشر الصحافة العالمية لمنظمة مراسلون بلا حدود لسنة 2019، غير أن البلد الأعلى تصنيفا، تونس التي جاءت بالمركز 72، فقد شهدت النسبة الأقل من الناس الذين يرسلون تعليقات أو منشورات حول أخبار التواصل الاجتماعي، بحسب استبيان منفصل جرى سنة 2018 حول الإعلام في الشرق الأوسط من قبل جامعة نورثويسترن.
الاعتماد على التواصل الاجتماعي يمثل مجموعة مشاكل كاملة وجديدة بالمرة، وفقا لرأي “مارك داويو”، إستاذ دراسات الاتصالات في الجامعة الأميركية اللبنانية: “تعتبر المشكلة جزءا من الاتجاه العالمي صوب سياسة الهوية، فمن خلال إجراء التعريف بالهويات بدلا من القضايا والبرامج السياسية التي هي موضع اهتمامنا جميعا، نحن نتغاضى بذلك عن مجموعة متنوّعة من الأخبار التي يعتقد الفيسبوك أنها ليست ذات أهمية بالنسبة لنا.” ويمكن لنزعة الفيسبوك إظهار قصص المستخدمين الذين يتفقون مسبقا مع هذه النزعة أن تزيد من الاستقطاب السياسي في الشرق الأوسط، كما هو الحال بشكل كبير في الولايات المتحدة
وبريطانيا.
تزوير الحقائق
ويقرّ داويو أن قنوات التواصل الاجتماعي توفر للشباب فرصة للمناورة حول الدعاية الحكومية. ومع ذلك، فهو يؤكد على وجوب عدم الاحتفاء بالفيسبوك كوسيلة رد على الرقابة: “لم يعد الشباب راغبون بتزويدهم بالمعلومات بعد الآن، فهم يريدون التفاعل
معها.”وتعد حالة التثبت من المعلومات الواردة عبر قنوات التواصل الاجتماعي مشكلة أخرى، فهي غالبا ما تكون شائكة وبمفردات تتحدث عن الحرب، وغير ممكنة تقريبا. على سبيل المثال، شهدت الحرب في ليبيا ميليشيات متنافسة، فكل من الجنرال خليفة حفتر الذي يصف قواته بالجيش الوطني الليبي، والقوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا، تنشر صورا ومقاطع مرئية لمقاتلين من الطرف الآخر تم قتلهم أو أسرهم؛ البعض منها حقيقي، لكن الكثير منها مزيّف.وتعد تويتر أيضا منطقة غير موثوقة تماما لاستقاء المعلومات، رغم اتساع شعبية هذه الشبكة منذ انتفاضة الربيع العربي. في السعودية حيث ثلثي أعداد السكان تقل أعمارهم عن ثلاثين سنة، تتبوأ الصدارة، فهذه المملكة المحافظة جدا سجّلت أعلى المستويات في استخدام ناسها لتويتر حول العالم سنة 2018، بحسب تقرير سنة 2018 يختص بقنوات التواصل الاجتماعي. تقول “تغريد الخضري”، الصحفية المحنّكة بشؤون الشرق الأوسط، ومراسلة سابقة لصحيفة نيويورك تايمز في قطّاع غزة: “تعتبر منطقة الخليج أكثر كبتا وأكثر محافظة، بالتالي تفضل الكثير من الشابات، على وجه الخصوص، تويتر على الفيسبوك لأنه من غير المعتاد إظهار وجوههن.”
خوف مبرر
وتضيف الخضري أنه بينما تسمح قنوات التواصل الاجتماعي لجميع شرائح المجتمع بالتعامل مع المعلومات والتباري فيها، يكره غالبية الناس نشر أي شيء خشية الانتقام: “لا يعد التواصل الاجتماعي قصة ايجابية من حرية التعبير في العالم العربي، والناس يعرفون انهم
مراقبون.” وقد دفع العديد من الناشطين الشباب ثمنا باهظا من قبل لما نشروه من تصريحات على الانترنت، أحدهم الناشط الإماراتي أحمد منصور، ففي العام الماضي، حكم عليه بالسجن عشر سنين، مع غرامة مالية بقيمة 272 ألف دولار لانتقاده سجل دولة الامارات العربية المتحدة الخاص بحقوق الانسان عبر التواصل الاجتماعي.
وتسعى الحكومات، وخصوصا السعودية، لمواجهة المعارضة من خلال تنشيط جيش من المتصيّدين لمضايقة الناشطين على الانترنت. وقبل قتل المعارض السعودي جمال خاشقجي بشكل وحشي، كان محرر واشنطن بوست يستيقظ على وابل من رسائل الكراهية تملأ موقعه على تويتر كل صباح، التي اكتشف تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز أنها كانت من عمل الجيوش الالكترونية المدارة من قبل الحكومة.
تقول الخضري: “لدى فيسبوك وتويتر دور كشركات دولية في عدم السماح للسعودية أو الامارات بالسيطرة على منصاتهم، حيث تقع على هذه الشركات مسؤولية حماية الخطاب
الحر.”لغاية الآن، لم يتول فيسبوك ولا تويتر تلك المسؤولية، والشباب العربي ليس لديه يقين كبير بحصول ذلك، فهم يتحوّلون الى قنوات التواصل الاجتماعي سعيا وراء الأخبار لمجرّد افتقارهم الى بديل
أفضل.
مجلة أوزي الأميركية