سالم مشكور
تحدث الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عن "خديعة" الأميركيين لإيران ووعودهم بأن هناك هدنة لوقف الحرب في غزة- وهو مطلب إيراني- وانها وصلت إلى مراحلها النهاية، وهو ما دعا ايران إلى التأني في الرد على اغتيال إسماعيل هنية في طهران. لكن هذه الخديعة كانت من جانب نتنياهو، وهي ضربة وجهها لحليفه بايدن الذي يفتخر بصهيونيته وأهمية إسرائيل الاستراتيجية للمصالح الأميركية.
في نيويورك كان هناك تبادل رسائل بين الأميركيين والإيرانيين لا تقتصر على تأجيل الرد الإيراني تحت مسمى "الصبر الاستراتيجي" إن تعداه إلى وعود بالسعي الأميركي لعودة العمل بالاتفاق النووي، الذي انسحبت منه أميركا بجرّة قلم من ترامب خدمة لإسرائيل التي كانت منزعجة منه بشدة منذ توقيعه. وقعته حينها الإدارة الديمقراطية برئاسة أوباما، وأسقطها الجمهوريون برئاسة ترامب. اليوم تدور المنافسة الانتخابية بين ترامب ونائبة بايدن كاملا هاريس المتفوقة حتى الآن على غريمها. الديمقراطيون يريدون البقاء في البيت الأبيض لولاية ثانية برئاسة هاريس، التي حلّت محل بايدن المنسحب تحت الضغوط. من هنا كانت جهود بايدن لترتيب هدنة بين الكيان الصهيوني من جهة وحماس وحزب الله وباقي أذرع تيار المقاومة من جهة أخرى. لكن نتنياهو لم يكن يريد أية هدنة، ومارس الخديعة عندما قال للصحافيين قبيل توجهه إلى نيويورك بان المبادرة قابلة للنقاش، موحيا باحتمال موافقته. لكنه كان يضمر تصعيدا كبيرا باتجاه لبنان ترافق مع وجوده في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة توّجها بالموافقة على تنفيذ عملية اغتيال زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله، الذي أقضّ مضجع الكيان على مدى اثنين وثلاثين عاما. نتنياهو لا يكتفي بعدم إعطاء الديمقراطي فرصة نجاح تنفعه انتخابياً، بل يسعى إلى توريط الإدارة الديمقراطية الحالية بعمليات واسعة في الشرق الأوسط، تؤثر سلباً في موقف الديمقراطي الانتخابي. هو لا يريد الديمقراطي في الإدارة مجددا، لأن الأخير يتجه إلى العودة للاتفاق النووي، وكونه لا يؤمن بمشروع نتنياهو الحالي القائم على الإبادة الوحشية، بل يتبنى حل الدولتين، أما الجمهوريون وترامب شخصيا، فان خيارهم الحرب والموافقة على ما تريده إسرائيل. بل أن ترامب أفصح عن المشروع الذي يجري تنفيذه بالقول إن مساحة إسرائيل صغيرة جدا، ولا بد من إيجاد طريقة لتوسيعها. ومع كل هذا فان دعم الديمقراطي لإسرائيل عسكريا والسكوت عن جرائمها يعد من صلب منهج الحزب. فقبل أيام وقع بايدن على مساعدات عسكرية للكيان العبري، بقيمة تقترب من ثمانية مليارات دولار عبارة عن صواريخ وطائرات ودبابات. ما لاحظه كثير من المراقبين هو أن بايدن بادر منذ الساعات الأولى التي أعقبت الهجوم الصاروخي الإيراني الواسع على الكيان الصهيوني، إلى التقليل من شأن الهجوم والادعاء بعدن وجود أضرار على الأرض. هو يريد تقديم مبرر لعدم التدخل بشكل واسع في الحرب كما يريد نتنياهو. يلتقي هنا مع رغبة حكومة نتنياهو في التستر على حجم الهجوم والخسائر التي تكبدها جراء ذلك، حفاظا على صورة هذا الكيان التي اهتزت بشدة على يد إيران وحزب الله، خلال ثلاثة عقود انهارت فيها أسطورة "الجيش الذي لا يقهر".
ما فعله نتنياهو كان له انعكاس على الساحة الداخلية الإيرانية، فالرئيس الجديد، وبتأثير من كبير مستشاريه وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف، كان إبّان حملته الانتخابية يتحدث عن منهج جديد عنوانه التصالح والتفاهم مع القوى المعادية لإيران كطريق للخروج من العقوبات. يترافق هذا المنهج مع حديث طالما كرره ظريف عن جدوى هدر طاقات إيران في حروب أخرى كما أسماها. تصريحات بزشكيان في نيويورك صبّت في هذا الاتجاه، فيما ساعدت لغته غير السياسية في خلق شعور بأن إيران بدأت التخلي عن حلفائها المتمحورين حول قضية فلسطين ومقاومة الاحتلال. ربما يكون لهذا التوجّه دور في تأخر الرد الإيراني خصوصا بعد اغتيال الأمين العام وقائد ميداني إيراني رفيع، لكن النتيجة حسمت لصالح التيار الثاني، الذي كان شديد التوجس من تلقينات ظريف للرئيس والتي كانت تجد قبولا عند أوساط سياسية وعسكرية إيرانية، فجاء القصف الصاروخي لمناطق الكيان كافة.
في المحصلة فان خديعة نتنياهو زادت من حجم الخسائر البشرية القيادية لدى جانب المقاومة، ولو جاءت الضربة الصاروخية بعيد اغتيال هنيّة فلربما كانت الأحداث أخذت منحى آخر أقل كلفة، ماديا وبشرياّ، على لبنان وحزب الله.