الهويات المتماهية

آراء 2024/10/08
...

  حمزة مصطفى

كلُّ واحدٍ منا يحملُ في جيبه عدَّة هويات أو بطاقات هويَّة أو باجات، بعضُها أصيلة، وقسمٌ منها «كلك». قبل الهويَّة الوطنيَّة الموحدة كنَّا نحملُ الجنسيَّة وشهادة الجنسيَّة، ولكون شهادة الجنسيَّة صحة صدور للجنسيَّة، فإنَّها كانت على أيامنا ما تطلع إلا «بشلعان القلب»، تحتاج أياماً وليالي من المراجعات وإثباتات وحسن سلوك حتى من منظمة العفو الدوليَّة وهيومن رايتس ووتش. الحمد الله تمَّ ااختزالها في العصر الرقمي مثلما تمَّ اختزال معاملة الجواز الالكتروني الذي كان يستغرقُ استخراجه هو الآخر وقتاً طويلاً وكراً وفراً بين الدوائر والأجهزة المختلفة. مع ذلك لا يكفي ذلك. أنت تحتاج لكي تثبت هوياتك «القاتلة» على «كولة» أمين معلوف لا هويتك الشخصيَّة الى هوياتٍ وباجاتٍ أخرى، وقد لا تستطيع الخروج من المنزل إلا وأنتَ تحملها في جيبك؛ لأنَّك يمكن أنْ تحتاجها في أيَّة لحظة. فأنتَ تحتاجُ الى هويَّة النقابة التي تنتمي إليها، أو الاتحاد الذي تنتمي إليه، وقد تحتاج هويَّة أحد النوادي الاجتماعيَّة أو مراكز الدراسات والأبحاث والجمعيات والمنظمات والتجمعات ناهيك عن باسوورد بطاقة تعبئة البانزين والحصة التموينيَّة.
الملاحظة التي يجب ألا تغيبَ عن البال أنَّ بعض الهويات التي تتماهى مع بعضها البعض تجد نسخاً منها لدى أستاذ الجامعة ولدى باعة الخردة والبسطيات. ربما ثمة من يقول إنَّ حاملي الهويات والباجات المتعددة هم مواطنون ومن حقهم ذلك، سواء كان منهم أستاذٌ جامعيٌّ أو سائق تاكسي أو بائع عصير رمان. لكنْ أزمة المساواه في حمل الهويات تجعلُ ثمة نوعاً من التماهي الاجتماعي والوجاهة مطلوبة لأنك قد تجد سمكرياً ظهراً لكنَّه يمكن «يطكطك» بعد الدوام شيخ عشيرة بهويَّة وباج ويفصل بين المتخاصمين بالعدل حتى لو كانت الخصومة على ديك اغتصب دجاجة الجيران.
هل انتهينا من قصة الهويات المتماهيَّة؟ لا لم ننته بعد. فلكي نثبت أنَّنا مواطنون صالحون لا بُدَّ أنْ نستخرجَ بطاقة سكن. وحتى تستخرج بطاقة السكن تحتاج أولاً وقبل أنْ تبدأ بتجميع مستمسكاتك المصورة «وجه وكفى» مع ست صور شمسيَّة أنْ تتذكرَ وظيفة كان لها يوماً «شنة ورنة» وهي المختار. وحتى تبحث عن المختار الذي يمنحك أحقيَّة السكن في الوطن عليك أنْ تبحثَ عنه في كلّ أزقة المحلة التي تسكنها حتى يبصم لك فتصبح بعد هذه البصمة الخالدة مواطناً صالحاً له حقُّ العيش في الوطن من دون «سين وجيم»، وله حقُّ المشاركة في الانتخابات ما لم يكن مشمولاً بالاجتثاث وقد يصبح بعد الانتخابات «فد شي» حتى لو حمل جنسيتين وهويتين وبصم له مختاران مختار المحلة المحليَّة ومجلس بلدي الدولة الأجنبيَّة التي حمل جنسيتها أيام النضال.
هل اكتفينا من قصة الهويات المتماهيَّة؟ لا. أنت تحتاج هوياتٍ أخرى لا يكتمل وجودك إلا بها. فأنت تحتاج هويَّة حزب أو منظمة أو تجمع أو اتحاد لكي تمرّ مختالاً فخوراً الى أي دائرة من دوائر الدولة. كما تحتاجها في الكراجات وفي أماكن الوقوف، سواء في الساحات أو عند الجزرات الوسطيَّة لكي لا يعاقبك شرطي المرور أو سيطرة ثابتة أو مرابطة؛ لأنك تحمل كل هويات الوطن الذي يستجدي العيد الوطني والعلم الوطني والنشيد الوطني حتى لو كان.. ناعماً منعماً.