محمد علي الحيدري
لا يمكن للمراقب أن يسجل خلافات "جذرية" بين المرشحَيْن للرئاسة الأميركية، الديمقراطية كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترامب، بخصوص مبدأ الدعم الكامل للكيان وأمنه والتأكد من قدراته العسكرية والتكنولوجية في الدفاع عن نفسه.
لكن الخلافات قد تحصل حول كمية وحجم هذا الدعم المالي والمعنوي والعسكري والتقني وغيرها من مجالات تحتاجها الدولة العبرية.
ورغم إجماع الحزبين الجمهوري والديمقراطي على تبني هذا الدعم والالتزام به، إلا أنّ هناك أصواتاً "نادرة" تطالب، وخاصة في هذه الفترة، بتدقيق كيفية إنفاق الحكومة الإسرائيلية للمساعدات الأميركية، فعلى سبيل المثال كرر السيناتور "التقدمي" بيرني ساندرز - وهو من اليهود - القول إن على الولايات المتحدة "إمعان النظر" في طريقة إنفاق تل أبيب لهذه المساعدات، منتقداً فشل إدارة الرئيس جو بايدن في منع إسرائيل من ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين في غزة، وعدم استخدام سياسة أشد مع قادتها للحفاظ على قيم إنسانية دولية كإيصال المساعدات الطبية والمعيشية للمدنيين الفلسطينيين الذين هجرتهم إسرائيل مرات متعددة خلال فترة الحرب الأخيرة.
وتشير التقارير إلى أن المعونة الأميركية لإسرائيل على مدار سنوات طويلة ساعدت تل أبيب في تطوير واحد من أفضل الجيوش في العالم، إذ يسمح هذا التمويل بشراء أحدث المعدات العسكرية وأكثرها تطورا من الولايات المتحدة.
وفي هذا الإطار اشترت إسرائيل ما يقرب من مائة طائرة مقاتلة من طراز أف-35، التي يمكن استخدامها في هجمات صاروخية متطورة، كتلك التي استهدفت الضاحية الجنوبية في بيروت مؤخراً، وتبلغ قيمة الواحدة منها نحو مئة مليون دولار.
كما اشترت إسرائيل عددا من طائرات بوينغ كي سي-46 ايه "بيغاسوس"، وهي طائرات قادرة على تزويد طائرات أخرى (مثل أف-35) بالوقود وهي في الجو.
وتؤكد التقارير أن إسرائيل استخدمت أموالاً طائلة من المعونات الأميركية في تطوير النظم الدفاعية المضادة للصواريخ كان من بينها استثمارات في نظام القبة الحديدية وغيره من نظم اعتراض الصواريخ كما أنفقت الملايين، وبمساعدة أمريكية، لتطوير التكنولوجيا الحربية، ومن أمثلتها نظام حديث للكشف عن الأنفاق تحت الأرض التي تستخدم للتسلل إلى إسرائيل.
وفيما يعترض الجمهوريون وفي مقدمتهم الرئيس السابق دونالد ترامب على حجم المساعدات الأميركية لأوكرانيا في حربها مع روسيا، بدلاً من استخدامها في ضبط الحدود الأميركية ووقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين فضلا عن تحسين شبكات الطرق والجسور، لا يبدي معظمهم أي اعتراض على المساعدات الضخمة التي تلقتها إسرائيل من الولايات المتحدة - وما زالت - بل إن ترامب لم يخف استعداده للاستجابة لكل الطلبات الإسرائيلية، من أجل مساندتها في القضاء على حزب الله وحماس وبقية الفصائل ممن تعتبرها واشنطن "أذرعاً" تستخدمها إيران لزعزعة أمن إسرائيل والمنطقة، فيما أكدت هاريس من جهتها أن الدعم لإسرائيل سيتواصل ويتعمق في حال فوزها.
وتبرر الإدارات الأميركية المتعاقبة هذا الدعم غير المسبوق لإسرائيل بأسباب عديدة منها:
- إسرائيل حليف حيوي ومهم في الشرق الأوسط، يشترك مع الولايات المتحدة بأهداف وقيم ديمقراطية ترى واشنطن أن المنطقة تفتقدها.
- المعونات الأميركية كانت عنصراً مهماً في توطيد هذه الروابط، فضلا عن أنها ساعدت في تأمين التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في مواجهة الأخطار الإقليمية المحتملة.
- هذه العلاقة التحالفية تحولت بمرور الزمن إلى مصلحة قومية أميركية.
- التعاون الأميركي الإسرائيلي وفّر للولايات المتحدة موطئ قدم مهم في الشرق الأوسط ومجساً استراتيجيا لمراقبة ما تشهده المنطقة من تحركات تعتبرها واشنطن وتل أبيب مريبة.
أما على الصعيد السياسي فلا تخفى تفصيلات السياسة الأميركية الداعمة لإسرائيل ومنهجها التوسعي ومشروعها الاستيطاني، وقد نشطت وفود وممثليات الولايات المتحدة لدى المؤسسات الدولية الفاعلة كالأمم المتحدة وأجهزتها الرئيسية، بما فيها مجلس الأمن لتوفير هذا الدعم ونجحت في إسقاط كل المحاولات العربية والإسلامية والدولية من أجل تحقيق "بعض" العدالة للشعب الفلسطيني، عبر استخدامها حق النقض "الفيتو" بوجه مشاريع قرارات تدين إسرائيل، أو تطالبها على الأقل بالانسحاب من الأراضي المحتلة.
ويعود استخدام أميركا الفيتو لصالح إسرائيل أول مرة إلى عام 1972، وذلك ضد مشروع قرار يتضمن شكوى بشأن الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، ثم توالى استخدامها للفيتو على مدى عقود، حتى بلغ عدد مرات استخدام الفيتو الأميركي لصالح إسرائيل ستاً وأربعين مرة من عام 1972 حتى عام 2024.
ومنذ الحرب الإسرائيلية في غزة ثم توسعها بشكل أو آخر إلى لبنان وسوريا واليمن وإيران، واصلت الإدارة الأميركية تعبيرها العملي والتزامها اليومي بحماية هذا الحليف بمختلف الطرق والوسائل.
وفي السباق الانتخابي عادة ما يلتقي المرشحون للرئاسة الأميركية وعضوية مجلسي الشيوخ والنواب بمنظمات يهودية نافذة مثل منظمة "أيباك" المعنية بالعلاقات الأميركية الإسرائيلية وغيرها من مراكز من أجل تطمينها بأن برامجهم في دعم إسرائيل لن تتغير بل وهم يتنافسون من أجل تقديم الأفضل وتعزيز هذا الدعم وتوسيعه أملا في أن يحظوا بأصوات الناخبين اليهود وما يملكون من وسائل دعم وآليات ترويج. لذا لا تشكل العلاقة مع إسرائيل موضوعاً خلافياً ذا بال في هذا السباق الذي يطوي أسابيعه الأخيرة.