د. علاء هادي الحطاب
يترددُ كثيراً أنَّ الحقيقة ما تُشاهد لا ما تُسمع، وبات واضحاً أنَّ العالم بأسره شاهدَ يومياً ما يجري من قصفٍ وحشيٍ بربريٍ في غزة استهدف الأطفال والنساء حتى أولئك الذين هربوا من ساحة المعركة في مخيمات نزوحٍ تفتقرُ الى أبسط مقومات الحياة البدائيَّة، فضلا عن المتحضرة، وشاهدَ العالمُ بأسرِه كيف يقصف الكيان الصهيوني تلك المخيمات والمدارس والجوامع التي تأوي الناس المدنيين البسطاء، ويعرف العالم أيضاً أنَّ المقاومين في الفصائل الفلسطينيَّة يديرون معاركهم من تحت الأرض، ومع ذلك يحرصُ هذا الكيان على قتل المدنيين بلا رحمة ولا رأفة، ومشاهد جرائمهم يندى لها جبين الإنسانيَّة.
واليوم كذلك يشاهدُ العالمُ بأسره قصف الكيان الصهيوني الوحشي والبربري لكل شبرٍ في منطقة الضاحية الجنوبيَّة، فضلاً عن مناطق جنوب لبنان، إذ لم يترك هذا الكيان اللقيط شبراً من هذه الأراضي من دون أنْ يدمرها بشكلٍ وحشي، مع علمه المسبق أنَّ المقاومة الإسلاميَّة في حزب الله لا تطلق وتدير عملياتها من شوارع الضاحية، ولا من الوحدات السكنيَّة ذات البناء العمودي.
لا تبرير لهذه الوحشيَّة إلا الهوس في قتل المدنيين سواء في غزة أو بيروت، وسط صمتٍ عربيٍ ودوليٍ عالمي، سواء على مستوى الأنظمة السياسيَّة وحكوماتها، أم على مستوى الشعوب، نعم حتى الشعوب العربيَّة صاحبة القضيَّة جلها "باع القضيَّة"، أما الشعوب والأنظمة الغربيَّة التي صدعت رؤوسنا بمفاهيم ومصطلحات حقوق الحيوان بعد أنْ انتهت من التنظير لحقوق الإنسان فنجدها صامتة "مغلسة" وكأنَّ على رؤوسهم الطير.
روى لنا الإعلام الغربي استقالة حاكم مدينة أو مدير بلديَّة لأنَّ قطاً وقع صدفة في إحدى فوهات المجاري، أو سجن سائق مخمور دهس من دون قصدٍ كلباً سائباً كان يعبر الشارع، أو تغريم صاحب منزلٍ لأنَّ عصفوراً اشتبك في إحدى أشجار بيته العالية، لكنَّ هذا العالم ذاته يصمتُ اليوم إزاء قتل الأطفال بل حتى الرضع والنساء والشيوخ والعجائز.
لم نطالبهم اليوم أنْ ينتفضوا لحقوق الإنسان ازاء عطش أو جوع النازحين في بيروت وغزة، بل نطالبهم فقط أنْ يتحدثوا عن المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني المجرم ضد المدنيين.
نعم إنَّه عالمٌ أعور يرى بعينٍ واحدة فقط وفق تحيزاته لا وفق مبادئه.