الطوفان وغزة وجنوب لبنان

آراء 2024/10/09
...

  عبدالزهرة محمد الهنداوي


كنت أتأمل خريطة الدول العربية، أو ما تسمى بخريطة (الوطن العربي)، أو أمة الضاد كما يحلو للبعض أن ينعت هذه الأمة، التي لم تحافظ على ضادها، والكثير من أبنائها يواجهون صعوبة بالغة في نطق هذا الحرف، فهناك من ينطقه (زاياً) أو (دالا)!!

في لحظة التأمل تلك، كنت أقف أمام الكثير من الاستفهامات، والتي لم أجد لها جوابا شافيا، فعندما لا يتمكن أكثر من ٤٣٠ مليون إنسان المحافظة على ضادهم الذي ينبغي أن يكون ميزة لهم دون سواهم من الأمم والشعوب، فمعنى ذلك أننا ازاء مشكلة، وعندما تخفق (جامعتهم) في لم شملهم لجهة قضية ترتبط بمصيرهم، فقطعا إننا أزاء مشكلة!

وحين تسرّح نظرك في أفق تلك الخريطة المترامية الاطراف والتي تبلغ أكثر من ١٣ مليون كيلو متر مربع، وتعقد مقارنة بسيطة جدا مع دويلة لا تكاد تظهر في تفاصيل خريطة العالم، وأعني بها (إسرائيل) ذلك الكيان المسخ، والذي يقبع على مساحة لا تتجاوز (٢٣) كيلو  متر مربعا، بسكان بالكاد يتجاوز عددهم التسعة ملايين، فانك تشعر بصدمة تهزك هزا عنيفا! لأن المقارنة هنا ليست منطقية، لا من حيث المساحة ولا من حيث الكتلة البشرية، فضلا عن الفارق في الإمكانات المادية.

وعندما ابحتُ بتأملاتي تلك، أمام عدد من الأصدقاء والزملاء، سخر مني بعضهم، وأشفق آخر، وثالث أطبق شفتيه، وكاد يطلق صوتا بنغم السيگاه، في إشارة للتعبير عن امتعاضه من طرحي اللامنطقي،، ولسان حالهم يقول، عن أي أمةٍ وأي ضاد وأي مساحة وأي كتلة بشرية هذه التي تتحدث عنها؟!

فالعرب ليسوا سوى أقوامٍ نشأت في هذه الجغرافيا، وهم أبعد ما يكونون عن شيء اسمه وحدة التراب أو وحدة المصير، أو وحدة العملة، أو وحدة الضاد، أو أي نوع من أنواع الوحدات، وكل واحدة من هذه الدول مشغولة بمشكلاتها، فمغربها ينأى بعيدا عن ضادها، ومشرقها منهمك بواقعه شديد التعقيد!

وفي مشهد معقد مثل هذا قطعا سيكون دافعا للكيان الغاصب أن يصول ويجول يحتل الأرض ويقتل البشر، من دون رادع ولا وازع، والأنكى من ذلك، أن ضحايا هذا الكيان عندما يصرخون من الألم، ينصحهم الآخرون، بألا تستفزوا (الأسد) بصراخكم فإنه سيفترسكم!

وهذا الذي جرى ويجري فعلا، فعندما اندلع طوفان الأقصى قبل عام من الآن، تبرأ العرب من أهل غزة، فاستباح جيش الاحتلال، أرضها، قتلا وتشريدا!. ومن غزة إلى جنوب لبنان الذي أعلن دوما عن العرب مناصرته لأهل غزة، انزعج العرب قبل اليهود، من هذا الموقف، فكانت النتيجة إبادة جديدة لمناطق الجنوب اللبناني، واذا هزّت الإنسانية أحد الأصدقاء ودفعته لمد يد العون لأهل غزة أو أهل لبنان، فان ذلك الصديق سيتعرض لوابل من الاتهامات، التي لها أول وليس لها آخر!..

 لم توصلني تأملاتي إلى نتيجة ذات قيمة، فطويت الخريطة، وعدت لمتابعة قناة الجزيرة، التي كانت تنقل لنا حرائق لبنان، التي استفرد بها الكيان في (ولية غمّان) بعيدا عن الضاد وأهله!.