عادل الجبوري
منذ الأيام الأولى لاندلاع معركة "طوفان الاقصى" في السابع من تشرين الأول- اكتوبر 2023، وضع الكيان الصهيوني جملة أهداف تعهد بتحقيقها قبل أن يضع حدا للصراع والمواجهة مع حركة المقاومة الفلسطينية(حماس) وحزب الله اللبناني. تمثلت تلك الأهداف، بالقضاء على حماس، وتحرير الرهائن المحتجزين لديها، من الإسرائيليين وغير الإسرائيليين، وإعادة سكان المستوطنات في شمال الكيان إلى ديارهم، بعدما فروا منها جراء القصف المتواصل للمستوطنات من قبل حزب الله، أما الهدف الرابع فتمثل بتحييد الأخير وإفراغه من أدوات وعناصر قوته، عبر تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 1701، الصادر في عام 2006، الذي مثّل احد مخارج إنهاء الحرب بين الكيان الصهيوني والحزب في ذلك العام.
فرغم القتل والتدمير والتخريب، واستهداف كبار قادتها، مازالت حركة حماس صامدة، ولم تلح أي بوادر أو مؤشرات لإمكانية استسلامها أو تراجعها، بل على العكس تماما، تبدو لمن يدقق ويتأمل في وقائع الأحداث جيدا، أن الحركة باتت أكثر تماسكا وثقة وقدرة على الصمود، لاسيما مع تعدد الجبهات وارتفاع مستوى الضغوطات العسكرية على الكيان الصهيوني من جبهات لبنان واليمن والعراق.
وارتباطا بذلك، فإن فرص تل أبيب لاستعادة جنودها المعتقلين لدى حماس، باتت ضئيلة، إن لم تكن معدومة، لأن قادة الكيان، كانوا يراهنون على إخضاع حماس ودفعها إلى رفع الراية البيضاء من خلال الخيار العسكري التدميري، ولكن بعد عام أو اقل من عام، اتضح أن كل حسابات ومراهنات نتنياهو وفريقه الحكومي بشقيه السياسي والأمني، كانت خاطئة بالمطلق.
وما زاد الطين بلّه وعمَّق مأزق تل ابيب، هو أن هدفها الثالث، المتمثل بإعادة سكان الشمال إلى المستوطنات، بدا بعيد المنال، مع إصرار حزب الله على عدم وقف عملياته العسكرية في الجبهة الشمالية، قبل قيام الكيان الصهيوني بوقف حربه العدوانية على غزّة، أي بعبارة أخرى، ربط حزب الله عودة المستوطنين الصهاينة إلى مستوطناتهم بعودة السلام إلى أبناء غزّة. وبدلا من أن يكون الكيان الصهيوني فارضا للشروط، أصبح يتلقاها من حزب الله في لبنان، ومن الحوثيين في اليمن، دون أن تكون لديه خيارات متعددة ومختلفة تتيح له المناورة والمراوغة.
وكما اخفق نتنياهو في تحقيق أهدافه على الجبهة الفلسطينية، أخفق بدرجة أكبر في تحقيقها على الجبهة اللبنانية. ومثلما تبين له أن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية أواخر تموز- يوليو الماضي، افرز نتائج ومعطيات عكسية له، حصل نفس الشيء مع اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في السابع والعشرين من شهر ايلول-الماضي. حتى أن الكثير من الساسة والخبراء الأمنيين وأصحاب الرأي في تل أبيب، اعتبروا أن خيار تصفية كبار قادة حماس وحزب الله، كان خيارا فاشلا، لان لم يضعف هذين الكيانين، بل اكسبهما مزيدا من القوة والحماس والاندفاع، ناهيك عن أن قادة الكيان ربما لم يلتفتوا إلى حقيقة مهمة، مفادها بأن كيانات مثل حماس وحزب الله، لا بد أن تكون لها دوما بدائل جاهزة على كل المستويات، لتملأ أي فراغ يحصل. ولعل مسيرتهما الطويلة تؤكد ذلك،. فلا حماس انتهت وتلاشت حينما اغتال الكيان الصهيوني العديد من قياداتها العليا على امتداد ثلاثة عامين أو أكثر، ولا حزب الله انكسر وانحسر بعدما فقد الكثير من قياداته العليا هو الآخر، طيلة أربعين عاما، بل على العكس، إن قوة كل من حماس وحزب الله اليوم أكبر بكثير مما كانت عليه قبل عشرين أو ثلاثين عاما.
ولا شك أن مأزق الكيان الصهيوني لم يعد يقتصر على عجزه وفشله في تحقيق الأهداف الأربعة، التي وضعها لنفسه وتعهد بها نتنياهو أمام الصهاينة، وإنما برزت تداعيات أخرى خطيرة، وخصوصا على امتداد عام كامل من الحرب العبثية غير المجدية.
ومن بين تلك التداعيات، الاستنزاف الكبير للكيان على كل الصعد والمستويات والمجالات، لأنه للمرة الاولى منذ تأسيسه في عام 1948، يخوض حربا طويلة، مقارنة بحروبه السابقة التي كانت لا تستمر سوى بضعة أيام أو أسابيع قلائل.
والشيء الآخر، تعدد الجبهات التي انفتحت عليه، والتي تتحرك وتعمل بشكل منسق ومنظم، باعتبار أنها تنظوي تحت عنوان واسع وعريض، هو "محور المقاومة".
وثمة أمر آخر، يتمثل في أن الكيان الصهيوني، فقد جزءا من حضوره ومصالحه في الساحة الدولية، بسبب نهجه الدموي الإجرامي في فلسطين ولبنان، إلى جانب تأزم علاقاته حتى مع بعض اصدقائه وحلفائه الاستراتيجيين، مثل الولايات المتحدة الأميركية، ودول في أوروبا وآسيا وأفريقيا.
هذه الصورة القاتمة للكيان الصهيوني، من الطبيعي أن تزداد قتامة، كلما طال أمد الصراع مع حماس وحزب الله وعموم محور المقاومة.