غيث طلال
حين يسيل القلم حبرا، وتخط الأنامل أحرفا، وتستحضر الذاكرة كلمات، يتجلى الإبداع، إبداعٌ على خطى النجوم، لا لأنه احترافٌ عراقيٌ بامتياز في بلد المهجر، بل لأنه قد رفد هذا المهجر وغيره وأصبح علامة مضيئة في واحدة من أكبر الجامعات عالميا .
“الصباح” التقت الروائي والتشكيلي منذر المدفعي وأجرت معه هذا الحوار …
- حدثني عن البدايات وكيف تمكنت من أن تسطر الكلمات ضمن روايات أصبحت ضمن منهاج جامعات رصينة ومرموقة ؟
هناك عدة عوامل دفعتني إلى الأمام بخطوات ثابتة ورصينة، وكانت هي نواة الانطلاق إلى ما أصبوا إليه، أولها دراستي الجامعية في الجامعة المستنصرية قسم اللغة الفرنسية ، ودراسة الدبلوم في اللغة الفرنسية من المركز الثقافي الفرنسي ببغداد عام 1999 ، فبالإضافة لتعلمي لغة أجنبية وحيوية، تمكنت من الاطلاع بشكل مكثف على الأدب الفرنسي وأساليب كبار المؤلفين والشعراء.. هذه الدراسة منحتني الأدوات التي كنت بحاجة إليها للتأليف ، فملكة التأليف والموهبة لا تكفي وحدها لتقديم أعمال روائية رصينة.
عقب عام 2003 بدأت العمل مع مكتب راديو فرنسا الدولي في بغداد، وعدة وسائل إعلام فرنسية. هذا الأمر سهل لي السفر إلى باريس، ومع وصولي كان هناك مشروع من قبل الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، وهو افتتاح قناة فرنسية دولية ناطقة باللغة العربية ، فكنت من بين المرشحين للعمل في القناة وإلى يومنا هذا، فتمكنت من اعتلاء منصب مسؤول النشرة الإخبارية، وأثناء العمل الصحفي درست العلوم السياسية في جامعة السوربون بباريس، ونلت البكالوريوس في عام 2012 والماجستير في عام 2014 وتخصصت في علم الاجتماع السياسي، هذا التخصص منحني رؤية أكثر عمقا للمجتمعات والحركات الشعبية . وربما هذه الدراسة كانت من بين العناصر المهمة التي سهلت لي تأليف عدد من الروايات التي تتطرق للحياة الاجتماعية بأسلوب أدبي، ومن بينها رواية “بغداد 91”، وهي آخر الروايات التي كتبتها قبل عدة أشهر، وصدرت عن دار وتر في البصرة . الرواية تحكي الواقع الاجتماعي في بغداد قبل اندلاع حرب الخليج الأولى
“عاصفة الصحراء”، والرواية مستقاة من دفتر مذكراتي الذي ما زال يرافقني حتى اللحظة منذ أن كنت في الثانية عشرة من عمري، وكانت أول محاولة للكتابة آنذاك، لكنني لم أعرف حينها أن هذا الدفتر سيسرد تفاصيل حرب بأكملها .
بعد مرور أعوام طويلة جاءت الفكرة بشكل مفاجئ بأن أبحث عن هذا الدفتر وأعيد صياغته بشكل روائي، مع المحافظة على بنائه الأساسي كدفتر مذكرات.
هذا العمل ليس رواية في أدب الحرب، لأننا تعودنا على قراءة كتب الحروب من الكبار، لكننا لا نمتلك كتابا عن حربٍ يُسرد على لسان طفل، ونحن نعلم جيدا أن أصدق الكلمات تأتي غالبا من أفواه الصغار، فقد أظهرت من خلال الرواية تأثير الحرب في حياتي اليومية وحياة العائلات المحيطة بي، فالرواية تعرض ظروف حرب الخليج من وجهة نظر طفل كتب على أوراق تؤرخ لمرحلة حرجة من تاريخ العراق المعاصر الذي شهد بعدها الكثير من المتغيرات.
أما رواياتي الأخرى فهي ثلاثية روائية بعنوان ثلاثية بغداد وتتألف من:
رواية “أيام قبل السقوط” في عام 2013 عن دار ضفاف للنشر والتوزيع في لبنان، وتم إدخالها ضمن المنهج الدراسي لقسم اللغة العربية في جامعة السوربون عام 2014 ضمن مادة الرواية الحديثة.
كما تم إدراجها أكاديميا في جامعة بوضياف الجزائرية عام 2015 لتصبح مادة للدراسة لنيل شهادة الماجستير، بعنوان “بنية الشخصية في رواية أيام قبل السقوط لمنذر المدفعي”، وفي عام 2020 بعنوان “لسانيات الخطاب والأنساق الثقافية في رواية أيام قبل السقوط لمنذر المدفعي”.
أما رواية “حراس البوابة”، فقد صدرت في عام 2017 عن دار النخبة للنشر والتوزيع في القاهرة، وهي عمل أدبي يتطرق لسرقة وتهريب الآثار العراقية؛ وتسلط الضوء على الجذور التاريخية لعمليات نهب الكنوز الأثرية من البلاد، وكذلك عن مأساة الموصل التي تجددت معها عمليات نهب المواقع الأثرية. يكتشف القارئ عبر صفحات الرواية أن هذه الظاهرة ليست وليدة اليوم، ولم تبدأ مع ظهور الجماعات المتطرفة، وإنما لها جذور تاريخية بدأت مع الإرساليات التبشيرية البريطانية في عام 1846..
تم إدراج الرواية أكاديميا في الجزائر لنيل شهادة الماجستير في عام 2023 – 2024 بعنوان سردية الواقع والمتخيل في رواية حراس البوابة لمنذر المدفعي.
- حدثتني عن منذر الروائي.. حدثني عن منذر التشكيلي؟
شاركت في عدة معارض للفن التشكيلي في باريس، أنا عضو حركة الرسم الحضري الفنية في باريس منذ عام 2017 وهي حركة فنية انطلقت في نيويورك، تعنى برسم وتوثيق مشاهد الحياة في المدن.. واستثمرت هذا الأمر من خلال تواجدي في العشرات من التظاهرات والحركات الاحتجاجية في باريس، الأمر الذي مكنني من تجسيد ونقل تلك الأحداث من خلال عدد من الرسوم، التي عَكستُ من خلالها الكثير من اللحظات المعقدة التي يتعرض لها المتظاهرون وقوات الشرطة على حد سواء.
- وما النمط التشكيلي الذي تتبعه ؟
نمطي في الرسم هو الواقعية، فلوحاتي تعرض غالبا مشاهد الحياة اليومية للمدن، أو تقدم رؤيتي الخاصة عن المعالم التاريخية والصروح الحضرية التي يحالفني الحظ بزيارتها.
أستخدم تقنيات الألوان المائية في الرسم، فهي تمنحني حرية أكبر، أشعر بتعلق بالألوان المائية لأن الماء يمثل الحركة، الجريان والشفافية، هو أجمل مادة يمكن استخدامها في بناء العمل الفني.
كما أركز في توجهي الفني على رسم مشاهد من الحياة اليومية في عدة مدن حول العالم: ودائما بتقنية الألوان المائية وبأسلوب يوربان سكيتشير. حاليا أستعد لإقامة معرض فني خلال الأسابيع القادمة عن لوحاتي الخاصة بالتظاهرات والحركات الاحتجاجية في باريس.
- كيف نمت وتطورت لديك موهبة الكتابة والرسم في آن واحد ؟
منذ الطفولة كان لدي شغف بالقراءة، وتجلى ذلك بوضوح من خلال مواظبتي على شراء مجلات الأطفال ( مجلتي ، المزمار ، الرجل الخارق )، وكذلك إصدارات دار ثقافة الأطفال. هذه المطالعات المبكرة والمستمرة حفزت لدي الرغبة بالكتابة والتأليف، كما أنها دفعتني نحو الرسم على اعتبار أن كتب الأطفال تعتمد بشكل أساسي على الرسوم.
- إلى أي المدارس الأدبية تنتمي؟
لا أستطيع تصنيف نفسي ضمن إحدى المدارس الأدبية أو الروائية، لأن هذا تقييد للكاتب أكثر مما هو نهج يتم اتباعه لتسهيل الإنتاج الأدبي. ومع ذلك أنا أركز في رواياتي على الجوانب التاريخية والاجتماعية .
- أخبرني عن آخر أعمالك الأدبية أو الفنية وما هو جديد؟
أعد حاليا لكتاب باللغتين الفرنسية والعربية عن بغداد، وهو عمل يعتمد بشكل أساسي على الرسوم (السكيتش )، وتم الاتفاق مع وزارة الثقافة العراقية على تبني هذا العمل والتكفل بتوزيعه ونشره . أما الهدف الأساس من هذا الكتاب فهو نقل الصورة الحقيقية للأجانب عن بغداد من دون رتوش. الكتاب سيأخذ القارئ في زيارة لبغداد ومعالمها وأحيائها، وهو حافز لزيارة العراق بشكل فعلي .