ماذا بعد سقوط الصفقة؟

آراء 2019/06/22
...

حازم مبيضين
تثير أخبار عزم إدارة الرئيس ترامب تأجيل طرح الشق السياسي لصفقة القرن في انتظار تشكيل حكومة إسرائيليَّة تساؤلات في واشنطن حول جدوى تقديمها، فمنذ تنصيب ترامب رئيساً، تعهدت إدارته بعرض رؤيتها للسلام في الشرق الأوسط خلال أشهر قليلة، إلا أنه بعد مرور عامين ونصف العام لم تخرج الصفقة للعلن، وقد أرجأت واشنطن طرح الشق السياسي من صفقة القرن عدة مرات، وكانت السياسة الداخلية في إسرائيل وانتخاباتها فضلاً عن انتخابات التجديد النصفي للكونغرس مبرراً للتأجيل عدة مرات.
بعض الخبراء ممن لم يتحمسوا بالأساس للفكرة رحبوا بالتأجيل الأخير، باعتبار أنه خطوة حكيمة، أما إلغاؤها كلياً فسيكون أكثر حكمة، إذ يمكن إتاحة المزيد من الوقت لتصحيح الاختلال بالخطة، ومن ثم خلق فرصة لإقناع الفلسطينيين بالقبول بها، ذلك أن تعبير الرئيس وكبار أركان إدارته عن رغبتهم الكبيرة في التوسط للوصول لاتفاق سلام نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإنَّ الكثير من مواقفهم وسياساتهم تطرح شكوكاً حول توقيت وفاعلية أي مبادرة دبلوماسية أميركية.
ورشة المنامة تقدمٌ في سياق مبادرة كبرى للسلام في الشرق الأوسط تقودها واشنطن غير أنَّ الأفكار الأميركية حول السلام لا تقوم على معالجة أصل الصراع مع إسرائيل، بل إنهاء الصراع وتصفيته بصفقة مالية وفي الملف الفلسطيني، إعلان عن استثمارات وتعويضات للدول المتضررة من الصراع، ومشاريع كبرى في غزة والضفة الغربية، ودول راعية للمبادرة الأميركيَّة تفتح خزائن أموالها، غير أنَّ المقاطعة، والغياب الفلسطيني عن المؤتمر هو العنوان الأبرز والأهم، ففي تاريخ صراعات العالم، لا يمكن أن تكون هناك تسوية من دون أنْ يكون الأطراف الشرعيون مشاركين في المؤتمر. الغياب الفلسطيني عن مؤتمر المنامة يعني أنه فاشل حكماً. وأنَّ صفقة القرن محفوفة بمخاطر الفشل وقضم شرعيتها السياسيَّة إذا ما الفلسطينيون جلسوا إلى الطاولة.
أميركا واسرائيل تعرفان حقيقة أنَّ السلام وحل الصراع لا ينجز من دون الفلسطينيين، ولكنَّ إسرائيل تكسب جولات مجانية في تطبيع اقتصادي وسياسي عربي من دون أي تنازلات. ومؤتمر المنامة، يقوم على أفكار جوهرها فصل الاقتصادي عن السياسي، وقتل النازع التحرري الوطني الفلسطيني، وتحويل القضية بتاريخها النضالي الى مجرد أفكار ومبادرات اقتصادية، وتنموية لتحسين معيشة الفلسطينيين تحت الاحتلال، ومن دون إعادة تعريف للحق الوطني والنضال والشرعية، والاحتلال
 والمقاومة.
تمر القضية الفلسطينية بأخطر فترة تاريخيَّة من خلال محاولات الإدارة الأميركية تصفيتها بالكامل. وما ادعاءات كوشنر عن عدم قدرة الفلسطينيين على إدارة شؤونهم بأنفسهم إلا إشارة واضحة إلى أين تتجه الأمور. وما يحصل من تطبيع عربي فج تقوم به بعض الحكومات العربية هو في صميم «صفقة القرن» التي يجري تطبيقها على قدم وساق ويتم تجميلها من خلال الادعاء أنها ستعمل على تحسين شروط القهر للشعب الفلسطيني. لكن ذلك يتطلب ورقة توت فلسطينية تعمل على تغطية عورات المطبعين العرب.
وهنا تبرز خطورة التطبيع الفلسطيني. وبعد سنوات السلام الزائف والمليارات التي تم استثمارها نحو إعادة تشكيل العقل الفلسطيني بمبررات براغماتية لقبول «حق» إسرائيل باستعمار 78 % من أرض فلسطين التاريخية، تعمل صفقة القرن الآن على إعادة صياغة الوعي الفلسطيني والعربي للقبول بحقها في ما تبقّى من الضفة الغربية بعد تحقيق حلم رابين، برمي قطاع غزة في البحر المتوسط!
إدارة ترامب كانت بدأت باتخاذ خطوات عملية تمهيداً للإعلان عن الخطة، ومن ذلك الاعتراف بمدينة القدس عاصمة موحدة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، وتلا ذلك خفض ترامب المساعدات المالية المقدمة للسلطة الفلسطينية، ووقف المساهمة الأميركية المالية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين ثم إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وجاء قرار البيت الأبيض بعدم دعوته وزير المالية الإسرائيلي أو أياً من المسؤولين الإسرائيليين لمؤتمر البحرين، بمثابة مفاجأة من العيار الثقيل في واشنطن، ورآها كثيرٌ من الخبراء تراجعاً لرؤية البيت الأبيض لمؤتمر البحرين الذي لا يضم الآن طرفي الصراع الأساسيين، وقبل ذلك أعلن البيت الأبيض نيته دعوة الجانب الإسرائيلي. 
وروج الكثيرون لاحتمال أنْ يشهد المؤتمر خطوات تطبيعية واسعة بين إسرائيل ودول خليجية. بات واضحا أنه إذا لم تكن اجتماعات البحرين تتعلق بالتكامل الإقليمي بين العرب والإسرائيليين، وإذا كان الفلسطينيون سيقاطعونها، فهذا يعني أنه لن تكون هناك خططٌ لتنمية الضفة الغربية، فلماذا إذنْ تعقد ورشة العمل؟ ما الهدف؟ علماً بأنَّ مسؤولين إسرائيليين كانوا أعلنوا أنه تم إبلاغهم من البيت الأبيض سابقاً بأنه سيتم توجيه الدعوة لهم لحضور مؤتمر البحرين بعد ضمان مشاركة الدول العربية، وأنه بعد الإعلان عن مشاركة كل من مصر والأردن والمغرب، زادت آمال إسرائيل في المشاركة، وقد برر مسؤول أميركي عدم دعوة إسرائيل بالقول إنَّ “هدف واشنطن من المؤتمر هو تقديم رؤيتها الاقتصادية لتحسين أوضاع الشعب الفلسطيني. ولهذا نريد أنْ نركز على الشق الاقتصادي وليس الشق السياسي. مع العلم أن إلغاء دعوات المسؤولين الرسميين الإسرائيليين لحضور ورشة البحرين، يظهر حجم حدود ما يمكن أنْ تقدمه الدول العربية لصفقة القرن دون الفلسطينيين. مع أنَّ الواضح أنه من دون الفلسطينيين والإسرائيليين، من الصعب أنْ تكون هناك انطلاقة قويَّة لخطة السلام.
الإعلان الأميركي أرجأ إعلان الخطة إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في 17 أيلول، ومعنى ذلك سقوطها ذلك أن تشكيل الحكومة سيستغرق شهرين على الأقل، وبعد ذلك بشهرين تبدأ دورة الانتخابات الأميركية التمهيدية بولاية آيوا في شباط 2020، ولن يكون مناسباً ولا مفيداً للرئيس طرح خطته وسط الحملة الانتخابية؛ وهنا يبدو واضحاً أنَّ إعادة الانتخابات في إسرائيل يمثل خبراً جيداً وسيئاً في آنٍ معاً لصفقة القرن. فهي جيدة على المدى القصير من حيث كونها مبرراً مقبولاً لعدم طرح الشق السياسي للصفقة في وسط شكوك دولية كبيرة. إلا أنها أيضاً تمثل خبراً سيئاً حيث لن يتم تشكيل حكومة جديدة قبل نهاية تشرين الأول القادم مع بدء دورة الانتخابات الرئاسية الأميركية ، 2020، ما يعني عملياً أنَّ إجراء انتخابات جديدة في إسرائيل ينهي عملياً خطة كوشنر - ترامب للسلام في الشرق الأوسط، إلا إذا فاز ترامب بفترة رئاسيَّة ثانية.