بشير خزعل
تحقيق العدالة في فرض ضرائب الدخل بمعايير دوليَّة، لا يعني أنَّ مسودة قانون ضريبة الدخل الجديد سيكون طفرة في مجال التشريعات الضريبيَّة، فبالرغم من أنَّ العراق ما زال يعتمدُ حتى الآن على قانون ضريبة الدخل 112 لسنة 1982 الذي يعتمد بالأساس على قانون 1959، أي منذ أكثر من ستين عاماً، لكنْ كل ما يُجْبى من ضرائب لم يصب في صالح الخزينة العامَّة، وأن التشريعات الخاصة بضريبة الدخل تشريعاتٌ قديمة في ظل التطورات والتغيرات الكبيرة على مستوى ظهور مهنٍ جديدةٍ وأخرى اندثرت، وبالتالي كان لا بُدَّ من الأخذ بنظر الاعتبار هذه التغييرات وإعداد قانونٍ جديدٍ لضريبة الدخل، ولكنْ كيف ستكون هذه المعالجات ومدى إنصافها للمواطن؟
القانون الجديد يتصف بثلاث نقاطٍ رئيسة منها ما ينسجم من حيث احتساب الضرائب مع المعايير الدوليَّة المعتمدة في احتساب الضرائب وموضوع الازدواج الضريبي بين الدول، والنقطة الأخرى هي تحقق العدالة الضريبيَّة، إذ تمَّ توسيع نطاق السماحات في رفع الحد الأدنى من الدخل المعفي من الضريبة بسبب التضخم وارتفاع الأسعار، وستفرض ضرائب تصاعديَّة على ذوي الدخل المرتفع وستُعفى الشرائح الضعيفة من الضريبة، هذه المغالطة لن تدفع بعجلة الاقتصاد المالي للدولة، بل ستعكر طريقها بمئات المشكلات المستقبليَّة.
المعروف أنَّ الشرائح الفقيرة هي الشرائح المعدمة التي يعيش البعض منها على المساعدات الماليَّة سواء من الدولة أو من منظمات إنسانيَّة، ثم أنَّ التصاعد الضريبي على أصحاب الدخل المرتفع، هل يقصد بهم الموظفون من الدرجات الخاصة أو أصحاب الخدمة الطويلة في مؤسسات الدولة؟ في جنبة من القانون بأنَّه سيكون صديقاً للبيئة؟ فهل سيكون كما في الأموال التي تُجْبى من المواطن في معاملات المرور الخاصة بالطرق والجسور؟
حسب القواعد التشريعيَّة الدقيقة فإنَّ الضريبة لا تصدر ولا تلغى إلا بقانون، وأنَّ عمل لجنة الإصلاح الضريبي هي تحقيق ما يسمى بـ(العدالة الضريبيَّة) والتي تنصرف إلى إخضاع شرائح جديدة من المكلفين إلى الضريبة كافة لتصبح مساهماتهم الضريبيَّة ضمن نطاق السيطرة الضريبيَّة، مجمل المساهمة الضريبيَّة للخاضعين للضريبة بحق لا تشكل سوى 2 % من الناتج المحلي، في حين أنَّ ضريبة العقار على أصحاب البيوت الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها 100 متر تعصف بالبائع والمشتري وتخصم مبالغ مخالفات ورسومات لا أول لها ولا آخر.
على لجنة الإصلاح الضريبي أنْ تنتبه الى الأوضاع التي تستفاد منها الشركات أو الأفراد من أصحاب الأرصدة الكبيرة وليس الموطن الموظف أو صاحب عقار متواضع يريد أنْ يطور من حاله للأفضل أو موظف يجني ثمرة شبابه التي أفناها بالوظيفة، تعديل أو تشريع قانون ضريبة جديد خطوة مهمَّة لا يعترض عليها قاصٍ أو دانٍ، ولكنها غير كافية إذا لم يتم إدخال جميع الضرائب المباشرة وغير المباشرة بالإصلاح، وتشريع قوانين جديدة تحلُّ محلَّ القوانين القديمة بسبب حصول تغييرات كليَّة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والإداري والمالي، يمكن أنْ يدعمَ هذا القانون إيرادات الدولة غير النفطية إذا ما تمَّ تحقيق الإصلاح الضريبي الفعلي من الجانب القانوني والإداري والمالي الصحيح والمنصف.
السلطة المالية لو تمكنت من حصرٍ دقيقٍ للأوعية الضريبيَّة وتحصيل كامل إيرادات الضرائب ونجحت في تقليل نسبة التهرب والفساد المالي في الدوائر الضريبيَّة؛ فربما تسهم بالإيرادات الضريبيَّة مع الإيرادات العامَّة الأخرى غير النفطية لتصل الى أكثر من 35 % من إجمالي الإيرادات العامَّة وأكثر من 50 % من إجمالي الإيرادات النفطيَّة، وهو أمرٌ ليس مستحيلاً على دولة مثل العراق تريد أنْ تتخلصَ من اقتصادها الريعي.