ملحمة الأخرس

الصفحة الاخيرة 2024/10/10
...

طه جزاع

يتوقع من يقرأ عنوان رواية محمد غازي الأخرس "مخطوطة فيصل الثالث ملك الكوابيس السعيدة " أنه أمام رواية تاريخيَّة تستوحي مع شيء من الخيال المأساة التي حلت بالعائلة الملكية في 14 تموز 1958 وبقي ذنبها يعذب خاطر العراقيين مثل وشم عصي على الزوال. غير أن الأخرس لم يكتب تاريخاً واقعياً، إنما نَسجَ ملحمةً من عناصر اسطوريَّة ورمزيَّة وخياليَّة وغرائبيَّة تحتاج لصبرٍ كبير لكي تستجمع خيوطها المتناثرة من منطقة العشار بالبصرة حيث ولد بطل الرواية الكائن العجيب "هوش الله" أو "هوشاله" كما يسميه الإنكليز، إلى قاعة الآشوريات بالمتحف البريطاني. ومن الإيرلندي الوسيم آدمز لارسن، إلى الفرس الزرادشتية المقدسة "حورية" الرشيقة البيضاء ذات الغرة الذهبيّة التي يلتقيها آدمز في اسطبل الشيخ شمران فيحدث بينهما تزاوج ينتج عنه هذا الوليد الذي سيشهد تحولات بايولوجية ويمر بأحداث مريرة في البصرة والعمارة، وعند حصار العثمانيين بقيادة خليل باشا، للإنكليز بقيادة تاوزند في كوت العمارة، وصولاً إلى بغداد وسكنه مع الآنسة غيرترود بيل سكرتيرة البريطاني برسي كوكس، وعمله بالقرب من الملك فيصل الأول. وفي صفحات الرواية الكثير من الحكايات وعشرات الشخصيات والأحداث الفنتازية التي تبدو غير مترابطة مثل كوابيس متقطعة، فالأخرس كما يقر بنفسه، لم يلتزم بـ " قانون سردي يحدد زمن حضور الشخصيات أو كيفيته".
كيف استطاع الأخرس أن ينكَّبَ على كتابة مخطوطته الغرائبيَّة هذه ويحافظ على صفاء ذهنه ورجاحة عقله، وكيف حضر إلى معرض الكتاب ليوقعها وهو يرتدي بدلة سوداء أنيقة وقميصا مزركشا، مثل توم كروز في حفل للأوسكار؟.
كان يوزع ابتساماته الخفيفة هنا وهناك، وبراءة الأطفال في عينيه، كأنه لم يفعل شيئا خرافياً في عالم " الكوابيس السعيدة "!.