د. أثير ناظم الجاسور
منذ العام 1948 ولغاية ساعاتنا هذه التي نعيشها والمستوى والفارق التكنولوجي والعسكري الخ... بين العرب والكيان الصهيوني واسع جدا، تكاد المعادلة تكون معدومة بقياس القدرات والحلفاء وكل ما له علاقة بمستويات القدرة، فالكيان طيلة المراحل السابقة يعمل على تعزيز قدراته، مستندا على الرعاية الامريكية بالدرجة الأساس والقوى الغربية عموماً لما لها ما تأثير في سياسات ومستقيمات تسير شؤون السياسة العالمية فمن واقع الحروب التي خاضها ضد العرب وبدأت تستقطع الأرض تلو الأخرى وبرنامج عمل الكيان منصب على فكرة (فصل المتلاحم)، هذه التي تدعو إلى التعامل مع كل حالة على أنها وضع متغير لكن بالضرورة لا تسمح أن يكون قابلا للتطور على حساب وجودها وقوتها، فبعد مشاريع الوحدة العبثية التي نادت بها القيادات العربية والزعامات كان الكيان وراعيه على علم من إن مرحلة الشعارات هذه تنتهي مع نهاية مطلقها، وهذا ما حصل بالفعل ابتداءً من الانقلابات العربية على أنظمة الحكم الملكية، التي يعدها البعض صمام أمان المنطقة العربية في ذلك الوقت، لكن حدث ما حدث وتحولت الممالك العربية إلى جمهوريات طامحة وتأمل إلى وقت ليس بالبعيد استرداد الأرض المغتصبة (فلسطين) قضية العرب المركزية، لكن عدوى الأنا والنحن والهم والآخر المتربص من داخل البيت الواحد، حال دون حصول العرب على مبتغاهم.
مع كل ذلك قابل الكيان نسيج العرب المتهالك ببناء القدرة والنفاذ، من أجل الاستمكان بعد أن أخذ الضوء الأخضر من راعيه ( امريكا) بأن الأمة، التي تم انتزاع قلبها غير قادرة على زواله كما ادعى زعماؤها، ولطالما ساعدت القوى الغربية برعاية عربية هذه المرة من بناء حائط صد يُدافع بين الحين والآخر عن أمن وسلامة الكيان، ناهيك عن المنظمات الدولية، التي لا تنفك ان تدين وتحرك كل الأطراف، من أجل منع اي اعتداء كما تسميه على الكيان الصهيوني أو حتى التنديد بما يقترفه الأخير من انتهاكات ضد الإنسانية، والمشكلة هنا ليس الغرب بمخططاتهم المعلنة ولا بالدعم الامريكي لكيانها، لأنه واقعاً الذراع الذي من خلاله تتمدد في المنطقة بمستويات تختلف وفق تغير واختلاف المراحل والظروف، القسم الكبير في مشكلتنا هم من ساهموا في جعل هذا الكيان يستأسد على الجميع ويطمح في تحقيق حلمه المنشود من النيل إلى الفرات، فقد لعبت الحكومات العربية بالأمس واليوم من خلق حالة من الجمود الأخلاقي في التعاطي مع القضايا الإنسانية على أقل تقدير، إن لم نقل أو نركز على قضايا الأمة الواحدة صاحبة المشتركات، التي لا تنفك من ذكرها ورقيا أو شفاهيا فالأمر
واحد.
إذن للكيان المعتدي اكثر من حائط صد يدافع عنه تم بناؤه بسنوات طوال بمساعدة دولية وعربية حكومية مسؤولة، الأكثر خطورة حائط الصد الاجتماعي العربي الذي بات مقتنعا بضرورة التعاطي مع الكيان على أنه جزء من هذه المنطقة وله الحق باكتساب هويته من أرض اغتصبها، والأكثر رعبا الجمهور العربي المقسم بي مؤيد للكيان والصامت المنتظر لحظة الحسم لأي طرف كان، والأخطر من كل هذا وذاك هو الجمهور المقتنع من أن محاربة الكيان عبث لا جدوى من المحاولة حتى فهم لهم القدرة على كل شيء ولا عزاء لمن يهدد وجوده أو يحاول منعه من تنفيذ مخططاته، حائط الصد هذا بنى قناعاته على فكرة تقسيم المقسم، لينطلق صوب تجزئة الهوية وتصغيرها وتحجيمها، ولطالما من يقاتل من غير هويته ولا يمثل قناعاته،ـ فالنتيجة بالنسبة له مرعبة لان المنتصر في هذه المعركة ضد الكيان الصهيوني قد لا يمثل منطلقاته المعدومة، يخشى أنصار هذا الحائط الصامت أن تنقلب موازين المعركة، ولا يبحث في ركام الجرائم الصهيونية ومشاريهم التفكيكية سوى انه مختلف عن الطرف الآخر، فهم ليس هو ولا النحن الذي تمثله، هم بعيدون عنه بعد ان اصبح مختلفاً عنهم كرها سياسيا ودينياً.