الانزلاق نحو حربٍ إقليميَّة موسَّعة

آراء 2024/10/13
...

 عباس الصباغ 

    بعد عام من وقوع حرب طوفان الاقصى، لم يكن أي أحد يتخيّل أن تتطور مآلات تلك الحرب إلى مسارات دراماتيكية ونتائج مأساوية خطيرة، تجاوزت حدود قواعد الاشتباك التي بدأت بين فصيل مسلح (حماس) بعد أن نفذ عملية بطولية جبارة وبين دولة (اسرائيل) المحتلة الغاشمة مُسقطا اسطورة قبتها الحديدية ومتحديا الآلة العسكرية الكبيرة والاستخباراتية ـ المخابراتية ـ السيبرانية الهائلة والمدعومة من قبل امريكا والغرب وهكذا كانت البداية وسط صمت دولي ـ أممي مريب خاصة من قبل هيأة الأمم المتحدة ومجلس الأمن فيها والمجتمع الدولي بشكل عام.

 عام كامل مضى من انتهاج "إسرائيل" لسياسة الابادة الجماعية والترويع والتجويع والحرمان من أبسط متطلبات الحياة والقتل بدم بارد لشعب فقير واعزل بقيادة رئيس حكومتها اليميني المتطرف والمتوحش نتنياهو وسياسة العقوبة الجماعية ضد هذا الشعب، ومن الطبيعي ألّا يلتزم السكوت كل من يتعاطف عاطفيا وانسانيا مع شعب غزة الجريح الذي دفع اكثر من واحد واربعين الفا من الشهداء يقابلهم عشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين (حتى الان) فضلا عن الاف المدفونين تحت الركام بعد ان حولت اسرائيل غزة ولبنان إلى ركام فساهمت فصائل المقاومة في العراق وايران واليمن ولبنان وسوريا في ردع العدو الصهيوني وتأديبه تضامنا مع شعب غزة المحاصر ولبنان الجريح وقامت بدكّ مرتكزات العدو بما لا يُحصى بالمسيّرات والصواريخ البالستية وبما تيسر لها من اسلحة معيدة إلى الذاكرة القريبة حرب تشرين 1973 التي اندلعت بين اسرائيل وعدة جيوش عربية منها العراق حين كانت المعارك تدار بالأسلحة التقليدية فقط. 

وطيلة تلك المدة كانت الرشقات الصاروخية المتبادلة تتم بشكل متواتر بين محور المقاومة وبين الكيان الصهيوني ومن يقف معه، وقد بلغت ذروة ذلك التراشق حينما دخلت ايران بكامل قوتها وعُدتها الصاروخية والباليستية والاستخباراتية على الخط، دعما لغزة ولمحور المقاومة، كونها تتزعم الجهة في هذا المحور المسمى من قبل نتنياهو بمحور "الشر" وكانت الذروة في الرد الايراني أولا حين أمطرت اسرائيل بوابل من المسيرات والصواريخ الباليستية بعد تورط الكيان الصهيوني بقصف قنصلية ايران في سوريا، والثانية بعدما تورط باغتيال الشهيد هنية في قلب طهران، كما تورط باغتيال سيد المقاومة الشهيد حسن نصر الله في مقره بلبنان، وبهذا مثلّت "إسرائيل" الغاية من تحدي المجتمع الدولي، فكانت بحق عدوا للسلام والسلم الدولي وزرع الدمار الشامل والخراب في المنطقة والعالم اجمع، وهي معروفة بتاريخها الوحشي في التعامل مع الفلسطينيين وأخيرا مع شعب غزة ومع لبنان، وهي لا تتورع عن استخدام ابشع الاسلحة حتى المحرّمة دوليا وضرب جميع الاهداف حتى السكنية منها والمدنيين العزل، أغلبهم اطفال ونساء وحتى ضرب دور الايواء وملاجئ الايتام والمدارس والكنائس والجوامع والمستشفيات إلى أن وصل بها التوحش إلى درجة ضرب عناصر الامم المتحدة التي تقوم بالإغاثة الانسانية في غزة فهي بهذا السلوك تجاوزت وحشية النازية والفاشستية والديكتاتورية، فتغلبت عليها جميعها بدليل "العواجل" التي تتناقلها الفضائيات عن اخبار المجازر وانتهاكات حقوق الانسان الدامية، وبما لم يألفه العالم من قبل وقد تستخدم الاسلحة الذرية والبايولوجية والجرثومية لغرض الفناء إن أتيحت لها الفرصة.

لذا تعالت الأصوات المنادية بوقف الانتهاكات والنزيف في غزة ولبنان خاصة من قبل حكومة العراق، متمثلا برئيس الوزراء السوداني خوفا من أن يتطور الأمر، ليشمل بقعا أخر من الشرق الاوسط وسط ضجيج التهديدات والتلويح بالردود "القاسية" واستعراض العضلات الفائقة المرافقة لحاملات الطائرات والمدمرات، لاسيما وأن "اسرائيل" بدأت تلوّح باجتياح شامل للبنان سيكون بداية انزلاق الجميع في حرب اقليمية واسعة، بل حرب عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر.