علي حسن الفواز
ما يحدث في غزة وفي جنوب بيروت، يكشف عن فاشية جديدة، وعن إصرار قصدي على الجريمة، فبقدر ما أن حرب المدن ممنوع دوليا، فإن الكيان الصهيوني يتجاوز هذا الممنوع إلى تحدي العالم، وإلى ارتكاب المجازر من دون رادع، وكأن هذا العالم يعاني من أعراض مرض الرثاثة السياسية.
قتل المدنيين بهذه المجانية والاستهتار، وتدمير المدن والمؤسسات، يؤشران مدى عمق هذه الرثاثة، وخطورة المواقف المتواطئة لـ"الدول الكبرى" الهزيلة، وامتناعها عن اتخاذ أيّ إجراء من شأنه إيقاف تلك المجازر، وأحسب أن ما حدث بعد الاعتداء الصهيوني على قوات "اليونيفيل" في الجنوب اللبناني، فضح ذلك الخنوع، ودفع بعض "الدول" إلى التنديد والشجب وعدم القبول، وكأن القتل العمومي للناس لا يعني أحدا، ولا يشكل خرقا حقوقيا وإنسانيا، وأن قوات القبعات الزرق وحدهم من يملك الدم الأزرق.
البحث عن صحوة عالمية يبدو رهانا خاسرا، فمجلس الأمن لم يحسم أيّ قضية ترفضها الولايات المتحدة، والدول الكبرى الأخرى تضع هذه القضية أو تلك في سياق التسويات والمصالح السياسية، وهذا ما جعل الكيان الصهيوني يتمادى في جرائم قتل المدنيين والأطفال والنساء، وفي انتهاكه وتدميره الواسع للمدن في فلسطين ولبنان، مثلما أعطى له ضوءا أخضر لتهديد رموز دينية وسياسية في هذا البلد أو ذاك.
ما بين المواقف المُنددة بالاعتداء على قوات اليونيفيل، والمواقف الخرساء إزاء ما يحدث للشعبين الفلسطيني واللبناني، ثمة ما يفضح صمت "المجتمع الدولي" وضعف مجلس الأمن ودوله في حماية حقوق الدول وسيادتها، مثلما يفتح هذا الصمت شهوة الكيان الصهيوني لإشاعة العنف والكراهية، وإلى تحويل القانون الدولي إلى لائحة محدودة الصلاحية، وإلى تبرير جرائمه بأنها نوع من "الدفاع عن النفس" كما تقول السرديات الأميركية، وعلى نحوٍ يُبرر للبنتاغون الأميركي تقديم العون العسكري، والمشاركة المفضوحة في العدوان، واتهام أي محاولة للمقاومة بالمروق وتجاوز القانون الدولي، والتعرّض إلى عقوبات اقتصادية وسياسية.
هذه الازدواجية في النظر إلى الوقائع العربية، تضع الجميع أمام مسؤوليات المواجهة، وإلى نقد سياسة الصمت الدولي، وإلى اتخاذ الإجراءات الرافضة لجرائم الكيان الصهيوني، وهو ما دعا "نيكاراغوا" إلى قطع علاقتها بالكيان واتهامه بأنه شرير وعنصري، فضلا عن دعوة رئيسة المكسيك إلى الاعتراف بـ"دولة فلسطينية"، وهذا ما يُشير إلى أن هناك مواقف دولية بدأت تتشكل، رافضة خطورة ما يجري من جرائم وانتهاكات وتجاوزات على الحقوق والمواثيق الدولية.