لكي نفهم ما يجري

ثقافة 2024/10/14
...

  ياسين طه حافظ

يوماً بعد يوم تجد الشعوب نفسها أمام تخلٍ أو تنازلات أو رضا بما لا يُرضى عنه. وسواء كانت راضية أو غير راضية، فإن ما يتضح اليوم مما لم تفصح عنه القوى الكبرى، صار معروفاً لذوي النباهة، وبدأ يراه من لم يكن يراها بهذه الجدية وبهذه الخطورة عليه وعلى أفكاره وفهمه ومصيره!
ليس هو ذنب القوى الكبرى، وحدها هو ذنب الشعوب، التي لم ترسم برامجها وعلاقاتها ولم تفهم حركة العصر، ونسيجه السياسي وأهداف تلك القوى.
هي بالنسبة لنا املاك ومصادر مال وهي بالنسبة لهم مصادر طاقة تدير حركة التقدم اليوم وتغذي ترسانة المستقبل، وما تظنه وتراه لك من مصادر النفط أو مواقع استراتيجية، هي تراها لها وقد لا تكتفي بالاتفاق معك، بل تخطط للاستيلاء عليها ووضعها تحت سيطرتها وحمايتها العسكرية. ولهذا لا بد من انشاء قواعد عسكرية تهيمن منها على أملاكها، وتنطلق منها لتحمي أو لتُخضِع أو لتكون يدَها المسلحة في السعي للسيطرة عليها! وهذا ما يجب التفكير به. الشعور القومي والعزة الوطنية وكفاح الشعوب وتضحياتها، كلها مشروعة وواجبة، ولا شعب لم يضح أو لم يهدر من دماء بنيه، ما هو ليس قليلاً ولا محدداً. القوى المستغلة أو الكبرى طوّرت وتطور أساليب سيطرتها، انتقلت من عملاء أفراد إلى تأسيس أحزاب عميلة – أو صديقة- إلى حكومات معتدلة أو عاقلة، إلى تأسيس دولة ذات قوة ضاربة تكون حارستها وممثلتها ونسخة مصغرة منها- لكل ترسانتها العسكرية ومهندسيها وقوادها العسكريين. ولتُخمِد المقاتلات الحديثة كل الأصوات التي "تربك مصالحها"... منذ أكثر من نصف قرن كانت في المنطقة المختارة، صناعة سلاح وشراء سلاح ومساعدات بسلاح تأتي. وكانت تدريبات عسكرية وإنشاء فرق عسكرية جديدة وتجسسية وشراء عملاء في المناطق المطلة عليها والتي تطمع بالسيطرة عليها لحماية منابع نفطها.. ونحن طيلة هذه المدة نهدر أموال النفط، سرقوا المليارات في زمن برايمر وطالب الكونغرس – تمثيلية- بإجراء تحقيق ولم يجز تحقيق، ثم بدأت ولا تزال المليارات تسرق أو تصرف على ما يمكن إرجاؤه مقابل حماية المصير، من اجل التمكن من رد العدوان، أو في الاقل ما يكلف العدوان ثمناً إذا تمادى!
كان طيلة هذه العقود شاغل ثقافتنا قصيدة النثر. القصة القصيرة جداً ودراساتنا الاجتماعية تدور حول "المحلي" وطرافته أو حول الحكايا والموروثات الشعبية، لا الثقافية المهمة ولكن نسيج الاطباق والسلال من الخوص والقصب، والحياكة اليدوية والأغاني- البكائيات لا الموسيقى والغناء الحديث ومهرجانات الشعر والخطابة ودعوات الفرق القومية" الراقصة، لنرى الرقص القديم بالثياب المزركشة. هي شفاهيات لا تترك اثرا. مهما وراءها. مقولة طيبة: "إن المهرجانات جزء من بناء الدولة." صحيح ونتمنى الإكثار منها، ولكن الدولة المكتملة لا التي تنقصها المدارس والمشافي وتزداد البطالة ويهددها انخفاض أسعار النفط. نتمنى أن تغتني الحياة المدنية ولكن مكملات البناء الاجتماعي وصيانة الفرد أولا! ما يحصل هو: لا باس أن تبقى مدارس في كرفانات، ولا بأس أن يبقى الشعب فقيراً ودخل الفرد متدنياً، فنحن نعطيه حصة تموينية، وهنا يصبح  لا بأس أن تزداد اللامبالاة، ويزداد النفور من العيش في الوطن! أيضا، صرنا نعرف أن العدو يعرف حتى المفردات اليومية للقادة والمسلحين وما في تلك البلدان من تفاصيل في البلدان التي تجاوره وربما التي بعدها.
هذه ظاهرة تجدها في الشعوب الجائعة وقليلة الوعي. روح الوطن ليست من القوة دائماً لتكون صدّاً.
ستنتهي الأحداث المفزعة والمخجلة واللا إنسانية التي نشهدها اليوم، ولكنها يجب إلا تمر قبل أن تكون درساً لا للتسليح والكفاءات العسكرية حسب، ولكن لانتقالة حقيقية للعصر، لفهمه وفهم فكره السياسي والعلاقات الدولية، والعقلانية في التعامل الذكي مع العالم والمحيط، أيضا لامتلاك ما يحمي البلاد من سلاح وعلاقات دولية ومصالح متبادلة. معنى كلامي، لا بد من ثقافة عصرية حيّة وتحول حقيقي في الثقافة الاجتماعية وفهم التاريخ فهما لا يقل ولا يبتعد كثيراً عن مستوى فهم الواقع.
أيضا، رأينا ما يفعل الإعلام وما تفعله بعض، الفضائيات العربية هي تنفع العدو أكثر مما تنفع سواهم. حيث تأكيد ما تريد تأكيده مرات وتظهر سواه مرة لا تخلو من ايجاز أو اضافة ما يزرع الشك في الخبر. هذا يعني أيضاً أن الدرس الإعلامي يتطلب سعة وإشاعة تدريس لفهمه وفهم مضامينه. الإعلام مطلوب أيضاً في تأكيد المنجز وإشاعة الصواب في الصحة والسلوك، وفي فهم الشرّ المخبّأ، في الكلام الذي يبدو بريئاً!
بقي أن أقول: إن ما يبدو ردّاً على عدوان وعلى شيء حصل، وقصف وتخريب المدن لا للدفاع عن النفس، ولكن للتباهي بوصول القاذفات إلى "أبعد نقطة في الشرق الأوسط" العبارة الأخيرة خطيرةٌ، وهي بوابة إعلان الهيمنة على المنطقة ومنابعها النفطية، وهي اساساً دعوة امريكية اعلنها من قبل واحد من رؤساء الولايات المتحدة علننا! فعلى الجميع فهم ما يجري ورسم السياسة والثقافة بموجب ذلك. الضرورات أولاً. معنى هذا الشعب ومصير البلاد أولاً!