علي حمود الحسن
انتهيت مؤخرا من قراءة كتاب " الواقع والخيال في السينما" للفيلسوفة والناقدة باتريسيا إيف، بترجمة التونسي شريف مبروكي، وهو مترجم وباحث، ضم الكتاب الصادر عن دار كنعان السورية، تمهيدا طريفا بعنوان "احتراس" قالت فيه احدى عضوات التجمع الذي أصدر الكتاب": " كيف لمجموعتنا أن تنشر كتابا لمؤلفة تدعو إلى ضد السينما"، ثم ننتقل إلى بروز مقدمة المؤلفة بعبارة "السينما فن بديهي"؛ أوضحت فيه المؤلفة معنى السينما التقليدية، التي تحاكي الواقع وتتمثله، مقابل سينما أخرى
تبتعد إلى حد ما عن السردية التقليدية، وهو ما تسميه المؤلفة بـ" ضد السينما"، لتتوالى أجزاء الكتاب الأربعة؛ فالأول يفصل تاريخ الفن ونظريات محاكاة الطبيعة، إذ تنحاز فيها المؤلفة إلى افلاطون " فالسينما من وجهة نظرها ليست محاكاة الواقع، بل هي "فن خيالي" لا تعيد انتاج الواقع، إنما تشكله وتعيد صياغته، وهذا ما يجعلها بعيدة عن مفهوم السينما التقليدية، إذ تشكل هذا الواقع عبر الخيال، ما يُبعدها عن المفهوم الواقعي والشعبي، وبعض من هذه الأفكار ضمها الجزء الثاني المعنون بـ" الفن أو الصنعة.. مسألة
حقيقة".
ترى المؤلفة ضرورة أن يكون لدى الفن السابع- لكي يكون فنا - القدرة على الخلق الذاتي لشخص ما يخاطب ذوات اخرى، فما يقوله لشخص ما، بدلا من التظاهر بأنه هو ما يراه، أو يسمعه، أو يدركه هذا الشخص الآخر، وهذا ما لا يمكن أن يحدث من خلال فن قائم على" الوهم والشفافية الزائفة "، ولكنه يحدث من خلال خلق عالم ذاتي بالمعنى غير المبتذل
للمصطلح".
وتصر المؤلفة في الجزء الثالث من كتابها المسمى "فخ النرجسية" على أن السينما المثالية، هي من تتيح للخيال أن ينغلق على نفسه، فمثلا يخبر أحدهم (المخرج) الشخص الذي يمثل يجب أن يكون شخصا اخر، بأن يكون آخر غير ذاته، ليجعلني في النهاية أكون غير أنا، من خلال السماح لي ان أعيش حياة بطلي.
ثم تتطرق إلى أن السينما التي نهرب إليها عندما يواجهنا الضيق، فمجرد أن نكون في مكان مظلم، حيث نتخلص من نظرات ليس الآخرين حسب، إنما من هواجسنا
وأفكارنا.
ويكرس الكتاب فصله الرابع لـ " تخريب الذات" فالسينما تتطور من سينما مؤلف - مخرج فردي إلى سينما صناعية، يصبح فيها منتوج الفيلم منتوجا، مثل أي منتوج آخر، يعتمد على نمط الإنتاج ويتم إدراجه مثل منتجات أخرى في دائرة القيمة.
الكتاب أخيرا ليس ضد السينما، إنما هو رؤية لسينما أخرى تعارض صناعة الأفلام التقليدية، وتنتج سينما أخرى بأساليب جديدة.