شاكر الغزي
وفقاً لجناح مؤثر من المجتمع العلماني الحديث، ليس هنالك تقريباً مصيرٌ مشين بقدر أنْ ينتهي المرء لأنْ يكون «مثلَ أي شخص آخر»؛ ذلك لأن «أي شخص آخر» هي فئةٌ تضمُّ ضعيف الموهبة، والتابع المقلد، والممل العاديّ. وبالتالي تستنتج هذه المحاججة أنه ينبغي على كل شخصٍ سليم التفكير أنْ يُميّز نفسه عن بقيّة الحشد، وأنْ «يَـبْـرُز» بأيّة طريقة يمكن أنْ تُتيحها مواهبه وقدراته.
وإذا ما استرشدنا بالفكر الدينيّ عموماً، والفكر المسيحيّ على سبيل المثال، لما وجدنا مصيبةً بالمرّة في أنْ يكونَ المرءُ مثلَ أيِّ شخصٍ آخر. فمن بين الأشياء التي دعا إليها يسوع المسيح أنّ الناس جميعاً هم «مخلوقات الله المحبوبة»، بمن فيهم بطيء العقل أو عديم الموهبة أو مغمور الذكر، وبالتالي فهم مستحقّون للتشريف الواجب لكلِّ ما خلق الله.
وحسب كلمات القديس بطرس، فإنَّ لجميع الناس القدرة على أنْ يصيروا «شركاء الطبيعة الإلهية»، وهي فكرة تستطيع.ــ في حدِّ ذاتها، وبكلِّ جسارةــ أنْ تُجابه الافتراض القائل بأنَّ البعض منّا قد خُلقوا للضَحالة وخمول الذكر، وأنَّ آخرين قد خُلقوا لبُلوغ المجد!.
ما من أحدٍ لا تشمله دائرة محبّة الله، هكذا تؤكّد العقيدة المسيحية.
وتُضفي ــ هذه العقيدة، والأديان عموماً ــ على مفهوم الاحترام المتبادل لبعضنا البعض حكماً إلهياً.
إنَّ ما نتقاسمه مع الآخرين يشكّل أكثر ما نعتزُّ به في أنفسنا!.
تدعونا المسيحية إلى أنْ ننظر إلى ما وراء الاختلافات الظاهرة؛ من أجل أنْ نُركّز على ما تراه ــ هي ــ مجموعةً من الحقائق العالمية التي يُمكن أن يُبنى عليها إحساس المجتمع بالقرابة بين الناس.
وسواءٌ اتّصفنا بالقسوة أو نفاد الصبر، سواءٌ كنّا حمقى أم بليدي الذهن، لا بُدّ أنْ نعترف بأنّنا جميعاً أسرى ما نتقاسمه بيننا من مواطن ضعفٍ تُقيّدنا معاً.
من أجل تشجيع إحساس الرفقة والأُخوّة بين جميع الناس؛ حثَّ المسيح أتباعه على أنْ يتعلّموا النظر إلى البالغين الآخرين وكأنّهم ينظرون إلى أطفال!.
ربّما لا يوجد أيُّ شيء آخر قد يُحوِّل إحساسنا بشخصية شخصٍ ما أسرعَ من أنْ نتصوّره طفلاً أو نتصوّرها طفلةً؛ من هذا المنظور نصبحُ أقدرَ على التعبير عن الشفقة والسخاء اللَّذَين نُبديهما تلقائياً نحو طفلٍ صغير، نرفض أنْ نصفَه بأنّه سيّئ بل شقيّ قليلاً، ولا نقول إنه مغرورٌ متكبّر بل لَعوبٌ وفرحانٌ بنفسه!.
هذه هي العذوبة نفسها التي قد تُخامرنا نحو أيِّ كائنٍ نراه وهو نائم:
بعينيه المُغمضتين، وملامحه المسترخية، ولا حول له ولا قوّة.
يوقظُ فينا النائم نظرة رقيقة تكاد تكون هي الحبُّ، إلى حدِّ أنَّ إنعام النظر مُطوَّلاً إلى غريبٍ ناعسٍ بجوارنا في قطار أو طائرة يُمكنه في الحقيقة أنْ يكون محرجاً ومُربكاً لمشاعرنا.
يبدو ذلك الوجه ــ النائم ــ غيرُ المقنّع كأنّه يدعونا إلى حالةٍ من الحميمية معه؛ بحيث قد نتساءل عن صحّة وحقيقة أُسس عدم الاكتراث بالآخرين ــ الغرباء عنّا ــ في العالم المتحضّر، والذي تقوم عليه العلاقات المشتركة العادية بين الناس.
غير أنَّ شخصاً مؤمناً بالعقيدة المسيحية قد يقول إنّه لا وجود لشخصٍ غريبٍ عنّا مهما كان؛ يوجد فقط انطباعٌ بالغَرابة*، ينجم عن الفشل في تَبيُّن أنَّ الآخرين مثلنا تماماً، وأنّهم يُقاسموننا احتياجاتنا نفسها ونقاط ضعفنا نفسها.
ما من شيءٍ أنبل أو أكثر إنسانيةً من أنْ نُدرك أننا ــ من حيث الجوهر، ومن حيث كلّ ما له أهمية في الحياة ــ مثل أيِّ شخصٍ آخر.
* قلق السعي إلى المكانة، آلان دو بوتون.