كتب رئيس التحرير:
النخلة أيقونة عراقيَّة. ومنذ ما قبل التاريخ حملتْ النقوش السومريَّة صورةً للعراقيّ مع نخلته، وتغنّى بها المنشدون في المعابد، وكان اسم العراق أرض السواد آتياً من غابات النخيل الكثيفة التي تغطي سهوبه المترامية. ولم يُذكر العراق قديماً إلّا وذُكرتْ معه هذه الشجرة الكريمة. يكفي أنْ نتذكّر قول أبي العلاء المعرّي: وردنا ماء دجلة خير ماءٍ وزرنا أشرفَ الشجرِ النخيلا، أو السيّاب حديثاً الذي وصف عينيْ حبيبته بغابة النخيل: عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحر.
حتى ستينيات القرن المنصرم كان العراق أكثر دول العالم نخيلاً، وأوّلها في تصدير التمور وفي الصناعات التي يدخل فيها التمر. لكنَّ هذا المشهد انقلب رأساً على عقبٍ في سنيّ الحصار الظالم وفي ظلِّ سياسات النظام البائد الذي أفرغ العراق من أنفس ممتلكاته. وقتها انسحب العراق من صدارته إلى المرتبة السادسة عالمياً في عدد النخيل، وأصبح أغلب ما بقي منه غير مثمر.
الخسارة هنا ليستْ اقتصاديَّة وحسب، بل هي في الصميم خسارة رمزيَّة وحضاريَّة، لأنَّ فقدان أيقونة دالة على هويَّة وطنيَّة أقسى من الخسران الماديّ بكثير. لكنَّ ما يدعونا إلى التفاؤل أنَّ الحكومة ممثلة بوزارة الزراعة عازمة على إعادة العراق إلى موقعه الطبيعيّ كأكثر دول العالم نخيلاً وتصديراً للتمور. فقد كشف وزير الزراعة الدكتور عباس جبر المالكي عن خطة وزارته للوصول إلى 30 مليون نخلة مثمرة وإنشاء بنوك وراثيَّة للفسائل حفاظاً على الأنواع النادرة.
إعادة العراقيّ إلى نخلته جزء لا غنى عنه في الحفاظ على هويَّة العراق.